ملامح حريق كبير في المنطقة ينتهي بإنهاء مفاعيل «سايكس بيكو» ووضع خارطة جديدة
لبنان أمام مرحلة إنتظار صعبة ولا إنتخابات رئاسية في الأفق القريب
إدراك الجميع لخطر الإرهاب الذي يقف على الباب اللبناني يُبعد أي إمكانية لتوترات داخلية
يبدو أن ملامح حريق كبير بدأت ترسم في أجواء المنطقة، حيث أن الأطراف الإقليمية والدولية المشتبكة تحاول جمع أوراقها وتحسين أوضاعها قبل الذهاب إلى أية مفاوضات محتملة يُعاد على طاولتها تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ، أي بمعنى آخر إنهاء مفاعيل «سايكس بيكو» والمجيء بخارطة جديدة لن تكون في صالح العرب بأي وجه من الوجوه بل هي ستفرض فرضاً بعد أن تكون الحروب المندلعة من اليمن مروراً بالعراق وسوريا وربما تتوسّع إلى بلدان أخرى في ظل الاحتقان الموجود قد أنهكت معظم الدول العربية بشكل يجعلها تقبل بأي عروضات دولية تعرض في سوق الصراع المحموم الدائر على مساحة هذه المنطقة.
ولعلّ التصعيد العسكري الذي نلحظه في مناطق التوتر حالياً وظيفته لدى دول القرار إعداد الأوراق المناسبة لطرحها على الطاولة إن نضجت مناخات المفاوضات التي ستنتهي حكماً بتحقيق مصالح الدول الكبرى على حساب معظم الدول العربية.
وحيال هذا الواقع فإنه من المنتظر أن تكون الأشهر المقبلة دقيقة وخطيرة للغاية على كل جبهات الصراع، وأبلغ مؤشر على ذلك هو ما جاء على لسان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله الذي شخّص في خطابه أمس الأول حقيقة المخاض الذي تعيشه المنطقة حيث أوحى بشكل مباشر وغير مباشر بأن قابل الأيام يحمل في طياته حركة تصاعدية في حدة الصراع الموجود حالياً في الشرق الأوسط وهو ألمح إلى إمكانية توسيع بيكار هذا الصراع الذي سيكون الأعنف منذ عقود.
أين موقع لبنان مما هو منتظر للمنطقة؟
يُجيب مصدر وزاري سابق بأن لبنان ليس في جزيرة وهو بالتالي غير معزول عن محيطه، لا بل أنه من بين الدول الأكثر تأثراً بأحداث المنطقة سلباً أم إيجاباً، وهو حيال ذلك سيكون في مرحلة انتظار صعبة جداً حيث أن لا حلول منتظرة لأي من الملفات والاستحقاقات الموجودة طالما أن المنطقة تتقلب على صفيح ساخن بل ملتهب، فلا انتخابات رئاسية في الأفق القريب ويُجمع على ذلك كل الأفرقاء الذين يعبّرون عن تشاؤمهم حيال المرحلة المقبلة حيث من الصعب خلق مناخات ملائمة لمقاربة الملفات المطروحة، وقد زاد الطين بلّة الهزة التي أصابت الحكومة مؤخراً بفعل الخلاف على آلية عمل هذه الحكومة إذ لا يوجد أي معطى يفيد بعودة مجلس الوزراء الى الاجتماع قريباً بعد أن سقطت كل الصيغ التي طرحت حول هذه الآلية، وأن الرئيس تمام سلام الذي أجرى مروحة من المشاورات والاتصالات لم يصل الى نتيجة حيث أن مكونات هذه الحكومة لم تتفق على بلورة صيغة موحدة من هذه الآلية تُعيد الأمور الى نصابها داخل مجلس الوزراء.
وفي تقدير المصدر الوزاري أن الحكومة ربما تدخل في مرحلة عنوانها لا معلّقة ولا مطلّقة بحيث تفرمل كل الملفات إلى حين الوصول إلى حلول للمعضلة الموجودة، من دون أن يعني ذلك أننا نتجه إلى استقالة أو اعتكاف لأن أي خطوة من هذا النوع تكون كما يضرب رأسه بالحائط، خصوصاً وأن البديل سيكون المزيد من الفراغ الذي يعصف بالمؤسسات الدستورية.
ويُعرب المصدر الوزاري عن اطمئنانه بأنه مهما حصل على المستوى السياسي لن يكون له أي تأثير على الوضع اللبناني ويعود الفضل لذلك في الدرجة الأولى إلى استمرار مفاعيل المظلة الإقليمية والدولية التي تحول دون ذلك، إضافة إلى إدراك الجميع بخطر الإرهاب الذي يقف على الباب اللبناني وضرورة تحصين وترتب البيت الداخلي ليكون في مقدور لبنان مواجهة هذا الخطر.
وبالنسبة إلى ربط البعض الوضع اللبناني بمسار التفاوض على خط الملف النووي يقول المصدر الوزاري أن الرهان على نتائج هذه المفاوضات فيه الكثير من المحاذير حيث أن لا صورة واضحة لمعالم المفاوضات المتوقعة في الربيع المقبل، مع أن المعطيات التي ترصد تشي بإمكانية الوصول الى الإعلان عن مبادئ عامة وليس الى حل شامل للملف النووي ينهي العقوبات المفروضة على إيران والوصول الى مثل هذا الحل قد يحتاج المزيد من الوقت، وكان لافتاً ما قاله مرشد الثورة الإيرانية الإمام علي خامنئي خلال لقائه مع قادة في سلاح الجو الإيراني من رفض لأي اتفاق يقتصر على إعلان نوايا ولا يكون نهائياً تنتهي معه مفاعيل العقوبات التي تفرض على إيران منذ سنوات.
ويرى المصدر أن استمرار الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل في هذا الظرف هو بمثابة المضادات الحيوية للأمراض التي تصيب لبنان، وأن الآمال معلقة على هذا الحوار من أجل إزالة الاحتقان الموجود في الشارع، وقد أظهرت مضامين خطابي البيال والضاحية حرص الطرفين على مضي هذا الحوار قدماً في سبيل إبقاء الوضع الداخلي مضبوطاً في حدّّه الأدنى كون أن الفريقين يسلمان بأن هذا الحوار لن يكون في مقدوره العمل على إزالة الخلاف الموجود حول الملفات الكبيرة كالإستحقاق الرئاسي والسلاح والأزمة السورية.