Site icon IMLebanon

وطنٌ بين طوفانَيْن

 

يسألونك من خلْفِ البحار: كيف هي حالُكُمْ وحالُ لبنان اليوم؟
وتُجيبُ من خلف الدمار: إنّ لبنان اليوم وطنٌ بين طوفانَيْنِ، وكلُّ شيءٍ فيه مؤجّل…

كلُّ شيءٍ فيه مؤجَّلٌ إلّا الموت…
الموتُ استشهاداً على طريق القدس في فلسطين…
والموتُ استشهاداً على طريق القدّيسين في لبنان…
هكذا طريق الطوباويّين تكون محفوفةً بالشهادة…
نحن الطوباويين: نقاتل، نحارب، نستشهد، نموت عنّا وعنْ كلِّهِمْ، الموتُ من أجلِ كلّ لبنان استشهاد، والموتُ من أجلِ كلّ الأمّةِ موت.
المؤجَّلُ الملحُّ عندنا، ينتظر وقفَ إطلاق النار، ووقْفُ إطلاقِ النار يحتكره العدُّو الإسرائيلي، وتبصُمُ عليه الأصابع الأميركية.
الذين يسألون عنّا من وراء البحار، ويستبشرون بالدعم الأميركي نقول لهم: إنزعوا من رؤوسكم حلقاتِ هذا المشهد المسرحي، بـأنّ هناك تعارضاً أميركياً – إسرائيلياً حتى الشَدِّ بالشَعْر، هكذا في الروايات تكون صيَاغَةُ النصّ المحبوك بين العقدة والحلّ لإبراز دور البطَل.
العقدةُ والحلُّ يتلاعب بهما “البطلُ” الإسرائيلي بين النار ووقفِ النار، ونحن نحارب العدوَّ بسلاحه، وبكاتِمِ صوت الإنتظار نُطلق النارَ على أنفسنا، وعلى هيكل الدولة المدمَّر، والقصر الجمهوري المزنَّر بالشمع الأحمر.
وفي الإنتظار، هناك أرضٌ محروقة في الجنوب والبقاع… وتحترق، وهناك ضاحية في جنوب بيروت تقطَّعتْ فيها الأوصال… وتتقطّع، وبيوت في شتّى أنحاء لبنان مدمّرة بالإغتيال… وتدمّر، وشعبٌ مهجّرٌ، ويتهجّر بمئات الألوف، تضيقُ بهِ مراكزُ الإحتضان حتى الإختناق.

ويسألون: هل نستسلم ويستسلمون؟ لا.
هل نصمد ونصبر ونواجه؟ نعم.
ولكن، بأيِّ دولة مهترئة تصمدون، وهي تختلف اليوم عمّا كانت عليه في حرب 2006؟
اللبنانيون اليوم، لا طاقة لهم على العَونِ، وأموالهُـمْ مصادرةٌ في البنوك…
الدولُ المانحة، وتحديداً الدول العربية على – شـدِّ الحزام – على مَنْ توزّع الجود: على لبنان، على غـزّة، على السودان، أو على دولٍ عربية أخرى يجتاحها التهجير، ويعصف بها التهاب النار؟
من غريب الدلالات، على توافر الإمكانات العمرانية، ما طالعَنا بهِ، ناطقٌ في الأمم المتحدة، بأنّ إعادة إعمار غـزّة قد يستغرق ثمانين سنة…
هذه المخاطر الكارثية، التي سبَّبتها وتسبِّبُها الحرب، هل تستطيع أن تتلّقف أعباءها الجسام، دولةٌ لبنانيةٌ مفكَّكةٌ شرعيّاً، مُفلِسةٌ مالياً، متنازعةٌ سياسياً، مضطربةٌ شعبياً، متضخّمة نزوحاً؟
وهذا النزوح اللبناني المتفاقم، الجدير بحميم الإحتضان، بما يعاني من ضيقِ سكَنٍ، وضيقِ عيشٍ، وضيق نفَسٍ، وضيقِ صبرٍ، إذا ما أُضيفَ إليه نزوحٌ سوريٌ مكثَّف، قد يؤدي الضغط المحتشد فيه ومِنْ حولِه، إلى احتكاكاتٍ وإشكالات، معرّضةٍ للإستغلال الإسرائيلي، بما يُنبئ بانفجار اجتماعي وأمني، ويُنذر بفتنة تهدِّدُ السلمَ الأهلي.
وهذا، إذا ما حصل، لن تحسمَهُ هذه المرّة وثيقةُ طائفٍ جديد، بل انقسامٌ وطني جديد، يُخشى أن تُطرح معه متغيّراتٌ على مستوى الكيان.

أليس هذا، ما تريده إسرائيل، وتعمل له، وتبتغيه؟
إذا ظلّ الموقف الوطني منقسماً حيال معْمعَـةِ الحرب، ولم يتمَّ ترميمُ هيكلِ الدولة المتصدّع لمواجهة الخطر المصيري والمخطط الإسرائيلي، أفلا يُعتَبرُ هذا أيضاً بمثابة العمالة لإسرائيل؟
وإذا كانت المقاومة تسكب الدم على الحدود دفاعاً عن لبنان، ولبنان في الداخل يتهاوى في غياهب الإحتضار، فأيُّ جدوىً إذاً، من الصمود والمقاومة دفاعاً عن وطنٍ يحتضر؟