الحرب التي نشهدها اليوم بلغتْ كل مآربها، وهي فعلياً أوصلتنا إلى المدى الذي ترغبه الدول المتصارعة على أرضنا وهي باتت حرباً تهدّدُ الكيان اللبناني وتهدّد مستقبلنا الوجـودي وتهدِّد حياة كل اللبنانيين وعلى مختلف طبقاتهم. آثار هذه الحرب ظهرت جليّةً وإنها تسير في خط تصاعـدي، وكلمّا ظهرت عوامل الصراع على أرضنا كلّما أحسسنا بصعوباتها التي نواجهها يتامى الفكر وضعف العقل وعمى البصيرة. المؤسف أنّ تبعات هذه الحرب لها مدلولات خطيرة ويبدو أنّ معالجة أثارها أمر يشوبه الخطر والتزوير خصوصاً بعدما تمّ تسريب موضوع دقيق وخطير أسموه «مشروع قانون الملكية غير المكتملة» هذا المشروع المنوي تسويقه بالطرق الإلتفافية على القانون يشوبه العديد من العيوب القانونية… وأسمح لنفسي الإستشهاد بما قاله الدكتور عادل يمّين عبر مداخلة من خلال برنامج «نقطة ع السطر» للإعلامية نوال ليشع عبّود حيث اعتبر أنّ «العقارات غير الممسوحة هي ملك للدولة وللإستخدام العام، ولا يجوز إستخدامها من قِبلْ أي مواطن وإنّ قانون الملكية غير المكتملة الذي يسمح للنازحين بإقامة الأبنية الجاهزة على مشاعات الدولة أو البلدية ليُصبح العقار برمّته مُلكاً لهم بعد خمس سنوات يتناقض مع مبدأ المساواة ويشكّل تمييزاً في التعامل بين المواطنين، كما أنه يتعارض مع مبدأ العدالة في توزيع الملكيات سواء عن قصد أو غير قصد، مع المخطط الإسرائيلي لتهجير أهالي الجنوب وإبعادهم عن مناطقهم». إنّ هذه الطريقة لمعالجة آثار هذه الحرب تبدو غير منطقية للتعامل مع معادلات الحقوق والأمن والحريات، إنها معالجات مفخخة في علاقة المواطن مع هذه الدولة الفاقدة لأي حس وطني شرعي قانوني دستوري ضمن سياق تدميري صرف، في حين أننا كباحثين ضمن مركز أبحاث PEAC نلاحظ أنّ هناك نيّة غير شرعية ناتجة عن أفعال هذه السلطة وبكل مكوناتها تمثّل لديها تفضيل مصلحة الخارج على مصلحة أبنائها وإدارات الدولة.
وضع الجمهورية اللبنانية في حالتها الراهنة خطيرة وهذه الجمهورية تعيش أجواء مقلقة متأتية من إنعكاسات أزمة التدخّل في شؤونها الداخلية تحت غض نظر أرفع مسؤوليها رؤساء جمهورية ورؤساء حكومات ورئيس مجلس نواب ووزراء ونوّاب ورؤساء أحزاب، وجميعهم ومن دون إستثناءات عاجزون عن إتخاذ القرارات السياسية – الأمنية – الاقتصادية – المالية – الإجتماعية في الوقت المناسب، والمؤسف أنّ الرأي العام يتناغم معها بسبب غياب حركة الوعي لديه وبسبب التضليل المُمنهج المُمارس عليه، كما يغيب عن نظر القادة السياسيين الشرفاء ورجال الدين، مسيحيين ومُسلمين، الموقف الوطني المرتكز على دراسة موضوعية وتحليل صحيح للأخطار الحقيقية التي تهدِّد الوطن بما فيها هذه الحرب التي أسموها «حرب إستناد» وهي في الحقيقة حرب همجية متسرّعة أغرقت لبنان في متاهات صعبة وأسفرتْ عن خرق واضح للحدود اللبنانية – الإسرائيلية حيث باتتْ قوات الجيش الإسرائيلي متوغلة في العمق اللبناني الجنوبي، وهناك من يدّعي الإنتصار الزائف. حكومة غير منسجمة وهي كناية عن «مجموعات وزارية متناحرة» موالية «لعملاء سياسيين» بغطاء شبه رسمي نكح الديمقراطية ونتيجة هذا النكاح وُلِدَتْ هذه «السلطة اللقيطة» التي تحاول جاهدة إعفاء نفسها من مسؤولية دستورية حيث تركت الحدود سائبة يجتازها من يشاء وينقل عبرها من يشاء وبالتالي فقدت الدولة سلطتها على أراضيها وقرارها… إنّ هذه السلطة تعتمد عن سابق تصوّر وتصميم التعامي عن تطبيق المادة الثامنة من ميثاق جامعة الدول العربية والتي تنص على إحترام كل دولة نظام الحكم في الدول الأخرى وأن لا تعمل على تغيير النظام فيها، إضافةً إلى أنّ السلطات التي تعاقبت منذ إقرار وثيقة الوفاق الوطني مروراً بالعام 2005 لم تحترم ما ورد في نصوصها على أن لا يكون لبنان ممراً أو مستقراً أو سبباً لتعكير السلم الأهلي والسلم الإقليمي والسلم الدولي، إضافةً إلى أنّ هذا النظام الزبائني لم يحترم المواثيق الدولية ولا الاتفاقات الدولية ولا معاهدات جنيف للعلاقات بين الدول إذ سمح لدولة إقليمية بإقامة تعاون غير شرعي مع مكوّن لبناني عسكري – مالي – عقائدي أنهك السيادة وضرب صيغة العيش المشترك وقلّب هذا المكوّن على صيغة العيش المشترك بما عُرِفَ بـ«فائض القوة»… وها هي دولة المأجورين والعملاء تدفع الثمن باهظاً من دماء الأبرياء في الجنوب اللبناني.
إنّ الحرب الدائرة بين «حزب لله» بالإنابة عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولة إسرائيل المدعومة من المجتمع الدولي تحمّل لبنان تبعات تفوق قدرته على التحمّل، وإنّ النظرة الصادقة – الموضوعية – القانونية والأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم لأمر خطير، فالخروج منها هو مسؤولية الجميع وخصوصاً «المناضلون الشرفاء» من ساسة ورجال دين مسيحيين ومُسلمين ومن إختصاصيين يحملون كافة الإختصاصات، وعلى كل مسؤول من هؤلاء السادة أن يكون واقعياً في التقدير الحالي لهذه الأحداث ومنها هذه الحرب وأن لا ينجرّ وراء طلبات غير قابلة للتنفيذ أو وراء مجموعة من المطالب غير قابلة للمنطق أو محاولة الهروب من الحقيقة نحو تأجيل بتّ هذه المعضلة القائمة التي تتناقض ومضمون الدستور اللبناني لناحية السيادة التامة والناجزة ولناحية أحادية الدفاع عن الوطن إنطلاقاً من تطبيق مندرجات قانون الدفاع الوطني اللبناني الذي يحصر حماية الدولة اللبنانية بكافة قواها الذاتية الأحادية الشرعية عملاً بما يرد في المادة الأولى منه.
أيها اللبنانيّون هل خياركم دولة مستقلة أم لبنان ساحة لتبادل الرسائل؟! إنطلاقاً ممّا أسلفناه أعلاه من أمور خطيرة مكوّنة من طبقة سياسية عميلة – فاشلة، ومن إنتهاك فاضح للسيادة الوطنية عمداً، ومن إستباحة أرض الجنوب وتحويلها ساحة تبادل رسائل لأنظمة معينة وباتت معروفة من الأفضل أن يكون خيارنا الدولة ومشروع الدولة والجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية فقط لا غير، وعدم السماح بشكل قاطع لأي تدخّل خارجي.
أيها اللبنانيّون ليكن خيارنا وخياركم دولة وطنية حرّة مستقلة عادلة قادرة صاحبة قرار مركزي إداري – عسكري – دبلوماسي مستقل يؤسس لوجود نظام ديمقراطي بكل ما للكلمة من معنى، وما سوى ذلك فكذب ورياء وإحتلالات وأهداف خاصة وعمالة ولعبة أمم وصراعات على أرضنا، وليكن خياركم دولة مستقلة ونقطة ع السطــر.
* كاتب وباحث سياسي