وتستمر محاولات نزع فتيل إنفجار الحرب بين لبنان والكيان الصهيوني من خلال جهود المجتمع الدولي عبر استمرار زيارات الوسطاء، ومن خلال الضغوطات السياسية على نتنياهو وحكومة حربه. وأبرز الضغوطات تستمر من الرئيس الأميركي جو بايدن واللفيف الموالي له ومن فرنسا الرسمية. وقد تجلّت إحدى هذه الضغوطات الفرنسية قراراً بمنع الكيان الصهيوني من المشاركة في معرض السلاح الكبير «يوروساتوري» في باريس. وإذ أصدرت محكمة فرنسية قراراً يمنع الإسرائيليين من دخول المعرض ردّاً على الهجوم على رفح، فضلاً عن أن نتنياهو ما زال يهدّد ويتوعّد بأنه بات على قاب قوسين أو أدنى من شنّ الحرب على لبنان بهدف إبعاد أو إرجاع حزب الله عشرة كيلومترات إلى ما وراء المنطقة الحدودية مع شمالي فلسطين المحتلّة. غريب هذا المنطق المثير للإشمئزاز إذ أن كياناً غاضباً لأرض فلسطين المحتلّة يريد نزع سلاح مقاومة لبنان العاملة على أرض حرّرتها سواعد أبنائها وكأنه ممنوع على الشقيق أن يؤازر شقيقه ويغنّي معه: الأرض بتتكلم عربي، وفق قاعدة وحدة الساحات وما أحلى وأجمل من تلك الوحدة بالذات القائمة على قصة العشق الأبدي بين مقاوم وبندقية، وغالباً ما يكون تهديد نتنياهو لحزب الله عبر الوسيط الدولي هوكشتاين. إن إسرائيل تتحكم بأميركا وفي الوقت عينه سخّرت فلسطين لواشنطن كي تكون الممرّ نحو شرق أوسطها القديم والجديد. ومهما سادت الإختلافات وبعض الخلافات بين نتنياهو وبايدن ، إلّا أن بايدن سبق أن قال في باكورة عهده «أنا صهيوني». علماً أنه يعترف بصهيونيته منذ العام 1973. ومن جهة أخرى، يستمر فتك نوبات الرعب والكوابيس بالنفوس الصهيونية لجهة شبه الإقرار من كبار الخبراء العسكريين الإسرائيليين بالهزيمة التي ستفدح الجيش الإسرائيلي في حال شنّ حرباً واسعة النطاق على لبنان وجنوبه بهدف نزع السلاح الذي يسند رجال المقاومة الفلسطينية في غزة. فالجنرال الإحتياط في جيش الإحتلال الصهيوني، اسحاق بريك، قال إن أي قرارا من نتنياهو لمهاجمة حزب الله سيجلب محرقة على إسرائيل، وإن الحرب على غزة فقدت غايتها وهي مستمرة فقط من أجل مصالح نتنياهو السياسية، لقد قلّصنا قدرة الجيش الإسرائيلي 20 عاماً حتى أمسى عاجزاً عن تحقيق الإنتصار على حركة حماس. وإن ما يجري في رفح عار فنحن لا نقاتل حماس بشكل فعلي، بل هم يفخخون الطرقات ونحن نُقتَل. ويُذكر أن القناة 14 العبرية قالت بتاريخ 18 حزيران نقلاً عن الجيش الإسرائيلي أن عدد المعاقين في صفوفه وصل إلى 70 ألف لأول مرة. وبحسب وزارة الدفاع الإسرائيلية شمل العدد المصابين جسدياً وأصحاب الإعاقات النفسية ممن سُجِّل في دورات إعادة التأهيل جراء الحرب. وقد أكّد الإعلام الصهيوني أن الجيش الإسرائيلي بات جيشاً متآكلاً، لذا يجب التفكير مرتين أو أكثر قبل الخروج إلى حربٍ ضد لبنان، وقالت مذيعة في القناة الـ12 الإسرائيلية تعلّمنا من الحرب في غزة إن الأمر يستلزم كثيراً من الوقت للوصول إلى حسم ولا يوجد هنا حسمٌ سريع. وأضافت إذا كانوا يفكرون في الخروج إلى حرب في الشمال فمن الأفضل ان يطرحوا سؤالاً مفاده إذا كنّا سنخرج إلى حرب فهل نحن قادرون على الحسم؟ وكم من الوقت يلزمنا من أجل الحسم؟ وماذا سيكون الثمن؟ وأضافت أن الجبهة الداخلية لدينا غير محصّنة تماماً. علماً أن القناة 12 العبرية كانت قد نشرت منذ أيام تقريراً تحدثت فيه عن جاهزية حزب الله في أي وقت مشيرة إلى أن تشكيلاته المهمة لم تتضرر حتى الآن في القتال مع الجيش الإسرائيلي وحدّدت الموعد الأقصى لحرب الشمال. وجاء في التقرير أنه حتى لو تمّ التوصّل إلى إتفاق مع حزب الله فلن يؤدي ذلك إلّا إلى تأجيل الحرب على أقصى تقدير خلال عامين أي نهاية العام 2026 داعياً إلى تحضير الإسرائيليين كلهم لحملة كاملة ضدّ حزب الله وإيران. وأضاف تقرير القناة 12 أنه الآن وبعد 8 أشهر نطالب الحكومة الإسرائيلية بتدمير حزب الله في حرب شاملة من أجل السماح لسكان الشمال بالعودة بعد زوال التهديد. وبحسب تقديرات معهد الأبحاث يمتلك حزب الله اللبناني 150 ألف قذيفة هاون و65 ألف صاروخ يصل مداه من 80 إلى 200 كيلومتر و5000 صاروخ وقذيفة يصل مداه من 80 إلى 200 كيلومتر أو أكثر و2500 طائرة بدون طيار ومئات الصواريخ المتطورة مثل الصواريخ المضادة للطائرات أو صواريخ كروز. كما تشير التقديرات أن حزب الله سيطلق في سيناريو الحرب آلاف الأسلحة يومياً على إسرائيل. وتُظهر البيانات الصادرة عن مركز دادو للفكر السياسي المتعدّد التخصصات، وهو معهد أبحاث تابع للجيش الإسرائيلي ومجهّز لتعزيز التفكير المنهجي وعمليات التعلّم في الجيش، إن الحزب اللبناني لديه القدرة النارية لأكثر من 4000 صاروخ وقذائف دقيقة وطائرات بدون طيار وذلك خلال يوم قتال عادي ويصل مدى معظم الصواريخ إلى بضع عشرات الكيلومترات، لكن عدداً كبيراً منها يصل إلى مئات الكيلومترات.
ويرى بعض الخبراء الإسرائيليين أن القوة النارية الرئيسية لحزب الله تكمن في صواريخه وقذائفه التي تغطي جميع مناطق فلسطين المحتلّة. وان الجزء الأكبر من القوة النارية سيهدّد المنطقة بأكملها من المنهارية إلى خط حيفا. وتقدّر إسرائيل أن حزب الله سيكون قادراً على تجديد مخزونه من الصواريخ حتى خلال جريان الحرب عبر الممرّ الإيراني.
صحيح أن الجيش الإسرائيلي جاهز بالفعل على الحدود الشمالية، لكن لا يعتقد الجميع أنه مستعد لحرب شاملة بحسب العميد المتقاعد عيران أورتال الباحث في مركز بيغن السادات. ويرى أن تقييم الوضع تجاه إحتمال إندلاع حرب في الشمال يجب أن يسلّط الضوء على تآكل فعالية الدفاع في ظل الظروف الحالية. وبحسب أورتال يمكن للمرء أن يفهم الأحداث الداعية إلى حل عسكري فوري في الشمال. لكن محنة النازحين ليست سوى متغيّر واحد في تقييم الوضع. ويقول أعرف كيف أحلل أن المبادرة الهجومية التي يسعى الكثيرون من أجلها بما في ذلك السكان أنفسهم، لن تكون قادرة على استعادة السكان بل على العكس من ذلك ستؤدي إلى تفاقم في التهديد. سيحوّل الإرهاق الذي تسيطر عليه حالياً نسبياً معادلات ردود الفعل المتبادلة على الحدود، إلى حرب شاملة تتجه فيها كل قوة نيران حزب الله نحو الجيش والدولة. أزاء هذه الوحشية الصهيونية المستمرة التي تقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، على كل إنسان مؤمن بثقافة مقاومة الغاصبين المحتلين إستذكار ما قاله الفيلسوف الألماني الكبير فريديريك نيتشه، لا تمشِ في طريق من طرق الحياة إلّا ومعك سوط عزيمتك وإرادتك لتلهب به كل عقبة تعترض طريقك. هكذا تكون حياة المقاوم الذي نظر إلى عيني صغيره وقال له يا صغيري إن رأيت في عيني غزة مدمّرة اليوم فغداً سوف أرى في عينيك قدسٌ محرّرة.
وعلى العدو الصهيوني أن يعي أن نضال 76 عاماً من أجل إستعادة الأرض السليبة فلسطين ليست سحابة صيف عابرة كما يُخال له، وأن إلغاء المقاومة في أي مكان مستحيل المنال. وتبقى وحدة الساحات خشبة الخلاص. فالمقاومون يهدون شعوبهم الجائزة الكبرى دوماً، لا جوائز الترضية.