IMLebanon

(نفايات لبنان: «سكة اللي رايح ومش جاي»)

بعض المواطنين اللبنانيين ينظر إلى أزمة النفايات، في محافظتَي بيروت وجبل لبنان، من خلال روائحها الكريهة، وما ينتج عنها من أضرار للصحة العامة، باعتبارها فشلاً سياسياً للحكومة، وتورُّط أطراف فيها للتلاعب بصحة المواطنين، بالسّعي إلى استثمار عقود المكبات لمصلحته. لكنّ مواطناً لبنانياً من جيل آخر، ينظر إلى «أزمة» النفايات بعين الرضا والفرح، ويتقبل روائحها المزعجة التي تعكّر مزاجه، وتهدِّد صحته، باعتبارها أهون الشرَّين.

اللبنانيون تعلَّموا من الحرب الأهلية. يتراشقون بالكلام ويتحدون، لكنهم لا يفكرون أبعد من ذلك، ليس لأن عودة حرب أهلية في لبنان باتت مستحيلة، لغياب أطرافها، وإن شئت هيمنة طرف واحد على السلاح والقوة، وإنما لأنهم ذاقوا مرارتها، واكتشفوا بعد 15 عاماً أن الحروب الأهلية لا تُنتِج سوى الموت والدمار والفشل. ولهذا استبدل اللبنانيون النفايات، بالرصاص ورائحة الدم، استبدلوا الذي هو أهون بالذي هو أخطر، وتعلّموا ثقافة فرز النفايات من المصدر.

لبنان لا يعاني مشكلة نفايات، بل أزمات طائفية ومذهبية ومناطقية، يعيش أزمة كراهية متبادلة وموجعة. لكنه يعبّر عنها بالتراشق بالنفايات هذه المرة. النفايات تخفي وراء مكبّاتها استقطابات مناطقية ومذهبية. المناطق صارت ترفض استقبال نفايات بيروت والضاحية، وأصبح الأهالي يهدّدون منْ يحاول إدخالها إلى مناطقهم. تحولت القضية إلى تمترس يذكّرك بلغة الحرب الأهلية. ورداً على هذا الموقف قال النائب محمد قباني: «أكثر من نصف سكان العاصمة أتوا إليها من خارجها، فلماذا هذا التمييز المناطقي المعيب الذي يهدد بتداعيات شديدة الخطورة على تماسُك المجتمع والدولة، إذ قد يأتي يوم يرفض فيه أهالي بيروت أن يتعلم أبناء المناطق في مدارس العاصمة، أو أن يحصلوا على الطبابة في مستشفياتها».

اليوم الذي تحدّث عنه قباني يبقى احتمالاً مطروحاً، طالما أن اللبنانيين عاجزون حتى الآن عن اختيار رئيس للدولة، فضلاً عن أنه لا أحد في لبنان يضمن تماسك المجتمع والدولة، بدليل أن النفايات كشفت أن المواطن بات يتعامل مع منطقته خارج مفهوم الدولة، ولسان حاله، كلٌّ يُبقي «زبالته» في بيته. ولكن، على رغم فرز المناطق، والرائحة السياسية للنفايات، اتضح أن اللبنانيين تعلّموا صنع أزمات صغيرة لدرء أزمة أكبر.

لا شك في أن أزمة النفايات كشفت ضعف السلطة المركزية للدولة اللبنانية، فضلاً عن أزمة التعايش العميقة التي يعانيها اللبنانيون.

الأكيد أن أزمة النفايات ستُحلّ، على رغم أن هناك من يسعى إلى زيادة ركامها لقطع الطريق على ركام سياسي يلوح في الشوارع، لكن طريقة التعاطي مع هذه الأزمة تؤشّر إلى طريق المفترق، أو على رأي المصريين «سكة اللي رايح ومش جاي».