الحكم يطفو على سلطة مشحونة بالمفارقات والألغام
لبنان يعيش أسبوع عودة السيادة الى الظهور
وتجتاحه تكهنات تجعله على مفترق الصعوبات!
برزت المعارضة اللبنانية، يوم عرس المهادنة والاسبوع الأخير لأزمة المفاوضة، بدا وكأنه فرصة جديدة لإشكالات سياسية عنوانها اطلاق قتلة شهداء، على يد كارثة انسانية، تمثلت في صراع دام بين محنة عرسال واللبوة والقاع.
والعنوان واحد انتصار حزب الله في صراعه مع القتلة، وحسم الموضوع الصعب على يد المفاوض اللبناني الكبير اللواء الركن عباس ابراهيم.
كان يوم الأحد الفائت مهرجان فرح بطله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، و فَارسُه رئيس مجلس النواب نبيه بري، ونجمه العائد من الولايات المتحدة الأميركية سعد الحريري، بعد لقاءاته في العاصمة الأميركية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واركان بارزين في مجلس الشيوخ الأميركي، ومجلس النواب، هذا من جهة في حين كان رئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل يقود المعارضة ضد صفقة التبادل بين السلطة الفائزة بنصر السلطة ضد هزيمة جماعة النصرة اولاً، وفي وجه داعش واخواتها والاعمام ثانياً.
كيف ستكون النهاية، وكيف يحقق رئيس الجمهورية فوزه المبين على النصرة وداعش في الحقبة الآتية.
وهل كان التأخير في انجاز الصفقة للمرة الثانية، وربما للمرة الثالثة لاحقاً، نقطة سوداء في ابرز اتفاق حققه حزب الله وأنجز معظمه اللواء عباس ابراهيم، وقطف ثماره الرئيس العماد ميشال عون وحصده الرئيس نبيه بري وسعد الحريري. المهم، يقول جبران باسيل انه بداية ثورة لا نهاية عجز عن قمع فريق حاول ممارسة البقاء السياسي في وقت كان يجول فيه في شمال لبنان، ليكرس الانتصار السياسي الفشل السياسي. ذلك، ان مطالبة الشيخ سامي الجميل، بمحاسبة القتلة من النصرة وداعش هو القضية، لا التسامح مع القتلة هو الإحتراف الكاذب في رحلة سياسية معقدة.
صحيح ان النصرة امعنت في الهروب الى الأدغال، والإختباء في المغاور لكن الصحيح ايضاً ان التحرير من الموت، هو فضيلة سعى اليها حزب الله وناضل في سبيلها اللواء الركن عباس ابراهيم، ونجح رئيس الجمهورية في جعلها منارة حل، لا عقدة ذنب يقضمها الغارقون في الأدغال والصعاب.
كان الاستاذ نصري المعلوف وزيراً للمالية في عهد الرئيس كميل شمعون في العام ١٩٥٦، لكنه أبى أن يتزحزح لحظة في حق الإنسان في الحياة، اياً كانت المبررات السياسية للقضايا العالقة في الأذهان.
الا ان الرئيس فؤاد شهاب ظل طوال حياته، يحسب ألف حساب للظلم السياسي اللاحق بالابرياء من الناس وهو عندما دافع بقوة عن المظلومين، في الجبال النائية، كان همه دفع كل مواطن ان يطالب بالحق، ولو تعرض لخلافات مع السياسيين.
وعندما قام الحزب السوري القومي الإجتماعي بمحاولة انقلاب عسكرية عشية العام ١٩٦٠ – ١٩٦١، كان في صميم المغالاة وطلب الإعدام للعسكريين لا للسياسيين، ولذلك فقد أصغى بهدوء الى وزير العدلية فؤاد بطرس ساعة دعاه الى إبعاد تلك الكأس عن العقيد فؤاد عوض والعقيد شوقي خيرالله والملازم علي الحاج حسن، وان ابدى بعض التصلب تجاه رئيس الحزب القومي الدكتور عبدالله سعاده وعند مفكره السياسي أسد الأشقر.
ماذا حدث قبل ذلك، وهل كان فؤاد شهاب على مسافة قريبة من الرئيس كميل شمعون.
والجواب انه في ١٤ أيلول ١٩٥٢، فاتح فؤاد شهاب الرئيس بشارة الخوري في موضوع اقرار عفو خاص عن الدنادشة المطلوبين، فوافق لكن استقالته بعد أربعة أيام حالت دون تحقيق المطالب، الأمر الذي حمل الرئيس ناظم عكاري على مصارحة قائد الجيش فؤاد شهاب، بان في وسعه كرئيس لحكومة انتقالية توقيع مرسوم العفو الخاص بحكم انتقال الصلاحيات الدستورية الى رئيس الجمهورية. وكان جواب فؤاد شهاب انه يفضل ترك الموضوع للرئيس الجديد راغبا في ترك دوره كرئيس لحكومة انتقالية للمسائل الإدارية.
قبل ساعات من انتخابه، قصد كميل شمعون قائد الجيش في وزارة الدفاع الوطني، وبعد حوار إتسم بالمجاملة، أكد فؤاد شهاب انه غير معني الا باجراء الإنتخابات الرئاسية، وانه لا يرغب في التدخل في السياسة. ثم قال لزائره، وهو على أهبة الانصراف: أريد أن اطلب منكم أمراً، هو مشكلة الدنادشة. قد لا تكون مطلعاً عليها تماماً، لكنني نلت وعداً من الرئيس بشارة الخوري بتوقيع مرسوم عفو خاص عنهم. الا ان تلاحق التطورات لم يُتح له أن يفعل، فقدم استقالته وأوضح انه لم يرد كرئيس لحكومة انتقالية توقيع مرسوم العفو الخاص، على الرغم من ان الصلاحيات الدستورية تجيز ذلك.
وأضاف: لقد قطعت وعداً لهؤلاء بالعفو عنهم. رد كميل شمعون: ما تعهد لكم به سلفي لا أستطيع أن أنكره، أو أتخلى عنه. أعدك بتوقيع مرسوم العفو.
وعلى امتداد السنتين من الولاية فاتح فؤاد شهاب رئيس الجمهورية تكراراً بضرورة توقيع المرسوم الخاص، فيما لم تتوقف النزاعات مع العشائر. فظلت حتى العام ١٩٥٥ في أوقات متفاوتة، لكن الرئيس شمعون لم يجد أمامه اذناً مصغية.
إلا أن ذلك أمعن في زيادة البعاد بين كميل شمعون الرئيس واللواء فؤاد شهاب كقائد للجيش.
غير ان الخلاف تزايد وأصدر النواب قراراً بالاجماع الى قائد الجيش، فوعده حميد فرنجيه وأيده في مسعاه عبدالله اليافي وبيار اده، بان شمعون سيوقع بيان العفو عن الدنادشة.
وبعد اجتماع عقد في عاليه، توجه الجميع الى قصر بيت الدين وانهوا الخلاف على زغل.
التغيير المطلوب
في العام ١٩٥٨، ظهرت مفاجأة ترشيح فؤاد شهاب لرئاسة الجمهورية، بعد توقف الحرب في طرابلس بين المسيحيين والمسلمين، وارتفاع أسهم فؤاد شهاب كمرشح لرئاسة الجمهورية.
في تلك الحقبة برزت قوة ثالثة في البلاد ضد التجديد، وتسعى الى انتخاب رئيس جديد. كان موقف القوة الثالثة للرئاسة في ١٥ أيار ١٩٥٨ في صلب مساع قادها الرئيس جمال عبد الناصر وأيدها الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور تدعو الى اختيار فؤاد شهاب للرئاسة الأولى.
ويبدو أن الرئيس شمعون رفض اعلان رفضه للتجديد له في ولاية ثانية، وكان يقول: إذا قلت انني لن أجدد، فلن يعود موظف في البلاد يطيع أوامري.
ويقال ان الرئيس كميل شمعون لمس باكرا رغبة الرئيس جمال عبد الناصر في إبعاده عن الحكم بوجود معارضة شديدة، أسفر عنها كل من حميد فرنجيه وفيليب تقلا ويوسف سالم ورينه معوض ونسيم مجدلاني وشارل حلو وجان عزيز.
في ٤ نيسان ١٩٥٧ ناقش مجلس النواب انخراط لبنان في المعارضة المكشوفة للرئيس كميل شمعون بقيادة صائب سلام وعبدالله اليافي وحميد فرنجيه.
واتسعت حلقة المعارضة لشمعون بإعلان جبهة الإتحاد الوطني في ١٨ أيار ١٩٥٧ اضراباً عاما تولى قيادتها حميد وسليمان فرنجيه وأحمد الأسعد وعبدالله اليافي.
وفي العام ١٩٥٨، وقع انقلاب عسكري مفاجىء في العراق، ظهرت بوادره في بيروت، عندما سحل العراقيون في شوارع بغداد رئيس الوزراء نوري السعيد الامر الذي جعل الرئيس كميل شمعون يفقد قوته السياسية، بعدما عجز وزير خارجيته شارل مالك، عن حمل الولايات المتحدة على تأييده ضد الحكم الجديد في العراق في ١٤ تموز ١٩٥٨.
كان فؤاد شهاب قد أصبح عملياً لا فعلياً الرئيس اللبناني الجديد للجمهورية اللبنانية، وأصبح الإتفاق المعلن بينه وبين جمال عبد الناصر المفتاح الذهبي للرئاسة اللبنانية على أساس أن يدعم القائد العربي فؤاد شهاب داخلياً ويدعمه هذا الاخير في السياسة اللبنانية والعربية.
ارتاح فؤاد شهاب الى اتفاقه مع الرئيس جمال عبد الناصر، ولا سيما بعد اللقاء الوحيد الذي جمعهما في خيمة صفيح عند الحدود اللبنانية – السورية.
وعندما هبطت طائرة حربية عند الحدود، اقترح عبد الحميد السراج على الرئيس اللبناني التقدم لاستقباله رَد بانه عندما أنتخب كان عبد الناصر برتبة بكباش، وهو في رتبة لواء وأنا بحكم ذلك أتقدم عليه، صحيح أن القصة باتت معروفة، الا ان جمال عبد الناصر تقبل الفكرة وتصرّف كقائد عربي، ورئيس لسوريا ومصر تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة. الى أن حصل انقلاب في سوريا بقيادة العقيد عبد الكريم نحلاوي وموفق عضاضه وقادا البلدين من الوحدة الى الإنفصال في حقبة الستينات.
جرّب الياس سركيس الحكم، فلم يكن مرتاحاً الى مفهوم النظام، ولذلك بادر الى تقديم استقالته من رئاسة الجمهورية بعد مدة من انتخابه.
وفي لقاء ظل بعيداً عن الأضواء بادره أحد النواب، بأن بيده صلاحيات واسعة لا يستعملها.
ورد فؤاد شهاب، بأن هذا الكلام ليس صحيحاً، لقد كان فيليب تقلا وفؤاد بطرس من هذا الرأي، لكنني وقفت ضدهما.
وبعد استشارة رجالات القانون ومنهم الفرنسي موريس غارسون تبين أن الحق معي. أن رئيس الجمهورية لا يستطيع ان يفعل شيئاً هو يملك ولا يحكم، ويظل مقيداً بالدستور والقوانين.
هل الرئيس ميشال عون يريد أن يصبح ديكتاتورياً أم مجرد رئيس جمهورية يحافظ على مبادىء الجمهورية.
هل لهذه الأسباب، يردد فؤاد شهاب، ويردد الآن ميشال عون ان الجمهورية تحتاج الى ديكتاتور لا قائد ديمقراطي يحكم وفق ما يتيحه له الدستور ويسمح به القانون.
لقد استطاع ميشال عون انشاء نظام انتخابي جديد، لكن مطالبة الشيخ سامي الجميل برفض الضرائب وتعديل بعض القوانين، تجعل منه حاكماً قوياً أم مجرد قائد بين الحكام.
في غمرة البحث عن العسكريين المفقودين لدى داعش أعلن اللواء عباس ابراهيم، أن لا مفاوضات حول ملف العسكريين أنفسهم لأنهم أمانة في رقبته.
وكشف المدير العام للأمن العام بأن المفاوضات مستمرة منذ بضعة أيام، وإذا ما تكلمنا عن عقبات، فإنها باب مفتوح على عدة احتمالات نظراً لدقة الأمور.
وهذا، ان دلَّ على شيء، فيدل على الصبر هو مفتاح الفرج، كما ان الاستسلام للمصاعب، هو اعتراف مسبق بالعجز.
ولعل طول الصبر والاناة، هو ما ينبغي لكل انسان أن يتحلى به، سواء أكان يخوض غمار المفاوضة، أو إذا استسلم أمام العجز، وهذه عادة ممجوجة ومنبوذة!!
كان عيد الجيش، فرصة لا تتكرر، لكن الجيش هو الارادة الفعلية لتكرار الحكمة في عصر ضمور الحكمة.
ولعل الإرادة اللبنانية، هي التي تصنع حوار التفوق عندما تصعب إرادة الحوار بين دهاليز المصاعب.
وهذا ما جعل طه حسين وزير المعارف السابق في جمهورية مصر العربية، يقول ان عمادة الأدب العربي التي أعطوني إياها هي التي جعلتني أضمر النجاح لا الفشل طوال عصر المصاعب، في خضم المشاكل التي تعترض الإنسان عندما يواجه الكوارث والعقبات ولا يتراجع عن الصمود، ضد الإرتجال.
وفي أحد الأيام، تسرب اليأس الى طه حسين، لكنه ما لبث أن استعاد صبره وسار على نهج الأدباء والمفكرين في عصور واجهته طوال حقبات.
وهذا ما جعل الإرادة القوية تسترد عنفوانها، وتسترشد بالأفكار ولا تبتعد يوماً عن الصمود أمام العقبات، خصوصاً عندما تعصف التناقضات في صفوف الوزراء.
ويُقال ان ما شهدته جلسة مجلس الوزراء السابقة، كان مؤشراً إلى غياب التوافق عن مناقشات السادة الوزراء ولا سيما في القضايا الاجتماعية.