IMLebanon

لبنان الذي كان

إستذكر اللبنانيون أيام الحرب بحرقة وألم. وأكثر مفاعيل الوجع أن يبلغ بالبعض حدّ القول: إننا نترحم على زمن الحرب! وليس أصحاب هذا الكلام المثير قلّة. فقد إستمعنا الى الكثيرين يرددون أمام الكاميرات مثل هذا القول الذي إن دلّ على شيء فهو يدل على حال من التردّي غير مسبوقة.

وفي تقديرنا أنه ليس من شعب واع من شعوب العالم يترحم على الحرب وأيامها ومخاطرها وتجاوزاتها وكوارثها وفواجعها!

فلماذا يوجد في لبنان من يذهب الى هذا المنحى؟

ببساطة لأنّ الناس فقدت الأمل، ولأنّ الأمل لم يكن مفقوداً في الحرب فالناس كانوا يعتقدون أن الحرب ستنتهي يوما ما ليبنى على أثرها لبنان جديد أكثر جمالاً وحداثة وتطوراً ومواكبة للعصر. والواقع جاء مخيباً للآمال إلى حد كبير.

فلبنان الذي كان… هو أجمل وأنظف بما لا يقارن بلبنان الحالي.

ولبنان ما قبل 13 نيسان 1975 كان أكثر ديموقراطية وممارسة حقيقية للفعل الديموقراطي.

ولبنان ذاك كان صاحب دور في المنطقة وفي العالم الأبعد، وكان يحظى باحترام كبير… ولقد كانوا يشيرون الى اللبناني بالبنان خصوصاً في البلدان العربية قاطبة.

والليرة اللبنانية كانت تعامل في العالم كلّه كالعملة الصعبة. كان بإمكانك أن تحمل ورقة المئة ليرة (وكانت هي ورقة العملة اللبنانية الأكبر، دلالة على قوتها وفاعليتها الشرائية) وتدخل بها الى أي مصرف من مصارف العالم الأول، فيتلقفونها كما يأخذون منك الدولار أو المارك.. وكانت قيمتها في البورصة توازي نحو فرنكين إثنين (عملة فرنسا قبل اليورو) وأيضاً تساوي ماركين المانيين إثنين.

كان سعر صفيحة البنزين، قبل الحرب فقط سبع ليرات لبنانية لا غير. واستمر ذلك حتى العام 1982 عندما زيد ربع ليرة على السعر. ( أجل! نتحدث عن الليرة والقروش، وليس عن الآلاف ومئات الآلاف والملايين).

وكان المواطن اللبناني مليئاً. الفطور الذي يتناوله الفلاح في بيته المتواضع في آخر ضيعة معلقة على حدود السماء (كما يحلو للشعراء أن يقولوا، وعن حق) ذاك الفطور كان يعجز عنه الرجل الثري في باريس ولندن وبروكسيل (…): البيض، والعسل والجبن و»فرخ» البندورة و»إصبع» الخيار الخ…

معلم المدرسة (أو أي موظف متواضع) كان في مقدوره أن يبني بيتاً وأن يفرشه على «المعاش» الشهري الذي لم يكن يتعدى 300 ليرة لبنانية!

بالليرة الواحدة كان يمكن إبن البسطة أو الأشرفية أو رأس بيروت أو الضاحية الشرقية والجنوبية أو (…) أن ينزل الى بيروت (10 قروش بـ»البوسطة») ويتعشى (15 قرشاً الشورما، أو 10 قروش الفلافل) وينتعش بزجاجة مرطبات (5 قروش للزجاجة الوطنية و10 قروش أو 15 قرشاً لغير اللبنانية) وأن يحضر فيلما سينمائياً بما يراوح بين 30 و50 قرشاً، ثم يعود بعشرة قروش الى منزله يبقى معه ما بين 5 و10 قروش من الليرة الواحدة! لذلك لم يكن في لبنان فقراء!

وهذا لم يكن في العصر الحجري بل حتى ما بعد حرب السنتين والى أوائل الثمانينات… وأما المقارنة بين أهل السياسة فتظلم اولئك الذين كانوا وهؤلاء الذين كُتبوا علينا في هذا الزمن الرديء!