IMLebanon

لبنان الذي نعرفه… لا أكثر

إذا قُدّر للعماد ميشال عون تسلُّم منصب رئيس الجمهورية مساء 31 الجاري، تكتمل صورة الدولة اللبنانية التي عاشت بلا رأس سنتين وأكثر، مع ما ترتّب من قلق داخلي وارتباك في العلاقات الإقليمية والدولية. ثمة إجماع على إيجابية انتخاب الرئيس بغض النظر عن اسمه واتجاهاته، لكن رئاسة عون، صاحب الكتلة النيابية الأكبر مسيحياً، تحضر في صورة مغايرة لرئاسات ما بعد الطائف، فلا رينه معوض (الذي اغتيل عقب انتخابه وقبل تسلُّمه المنصب) ولا الياس الهراوي ولا إميل لحود ولا ميشال سليمان كانت لهم قواعد سياسية تسمح بندّية أمام رئيس الحكومة السنّي ورئيس البرلمان الشيعي، من هنا جديد رئاسة عون التي لا تعطي فقط رأساً لدولة مقطوعة الرأس وإنما تجعل جسد الدولة متكافئاً بين أعضائه.

ومع انهيار الداخل العربي القريب، سورية والعراق، ودخول لاعب إقليمي ثالث (تركيا) يضاف إلى المملكة العربية السعودية وإيران، يبدو إيجابياً رجوع النظام السياسي اللبناني إلى قواعده القائمة على زعامات الطوائف الكبرى، رجوع حظي بضوء أخضر من القوى المؤثرة إقليمياً ودولياً على رغم صمتها، وتحميل اللبنانيين هذه المرة مسؤولية اختيارهم رئيساً يبعث على قلق الحلفاء قبل الخصوم. المهم المحافظة على حد أدنى من الأمن في وطن صغير يعتبر منصة للقادة المتصارعين على ميادين قتالهم في سورية والعراق، السياسية والأمنية والإعلامية، وقبل ذلك الاستخبارية.

لبنان الذي نعرفه هو الذي يكتمل جسده بانتخاب العماد عون رئيساً منزوع الأحلام ومندرجاً في نادي زعامات طائفية تمزج وجودها بوجود الوطن فيضعف بضعفها ويقوى بقوتها، فيما تُنحّى جانباً القوى المدنية الحية سياسياً وثقافياً واقتصادياً. هؤلاء لا يملكون دبابة فيحظون بنعمة الوجود، وبكونهم زينة حضارية لحيتان المال وذئاب التعصب أو فرقة موسيقية تعزف لتغطية صراخ المتألمين. لقد خسر المدنيون اللبنانيون جهود عقود من أجل مجتمع ديموقراطي حر. لا بأس، فالجيران يخسرون ما هو أهم… وجودهم.

لن ننساق إلى التصوُّر الكاريكاتوري للعماد عون الذي يقدّم مزاجه العسكري المتسرّع على عقلانيته ورويته، فما أن يتولى الرئاسة حتى يبدأ عهد جديد لشخصه مستنداً إلى كونه رئيساً لجميع اللبنانيين، وأول العهد إدراك لتعريف لبنان في وثيقة الطائف بأنه «وطن حر مستقل، نهائي لجميع أبنائه وعربي الهوية والانتماء»، وفي ذلك تغليب للعرب على غير العرب في الإقليم. وإذا لم تكن مطلوبة ولا ممكنة مخاصمة إيران فالمطلوب والمتاح والطبيعي تعزيز العلاقة مع العرب حضارياً واقتصادياً قبل أن يكون سياسياً. ويعرف ميشال عون، قبل الرئاسة ومع الرئاسة، ضرورة ترميم علاقته مع السعودية لمصلحة لبنان ولمصلحة قاعدته الانتخابية بالذات، التي ترسل كثيرين من أبنائها للعمل في دول الخليج وليس في إيران.

عون رئيساً يختلف عما كانه في سعيه إلى قصر بعبدا، إنه بالضرورة أكثر واقعية وأقل مزاجية، وإن كان محبوه يرغبون أو يحلمون بأن يقدم إليه نادي الزعامات الطائفية هدايا إصلاحية لكي يقف أمام المرآة فيرى شيئاً من صورته ولا يرى شخصاً مجهولاً يضع على كتفه وشاح الرئاسة الأولى.

وسيكتشف اللبنانيون مع انتخاب عون أن الصخب الذي نغّص عيشهم خلال سنتين وأكثر لم يكن مبرراً، فانتخاب رئيس للجمهورية يساعد قليلاً في مواجهة أعباء الحكم ولا يحمل حلاً سحرياً للتغلُّب على هذه الأعباء. لن يندفع عون الى قرارات راديكالية في الاقتصاد والسياسة. سيكتفي بشيء من الترميم وبكثير من التجميل وبتكرار مخاطبة اللبنانيين بأن أوضاعهم سيئة لكنها أفضل من ساحات الموت في الجوار السوري والعراقي، مخاطبة تزين السلبية حين تقارنها بسلبية أكثر سوءاً، وتحيل الإيجابية وأحلام التغيير والإصلاح على ما بعد سلام المنطقة وإعادة تكوين الدولتين السورية والعراقية.

لبنان برئاسة عون وطن مستقل كما نصت وثيقة الطائف، لا ينضوي في وحدة عربية صارت من المستحيلات، ولا في شعب واحد في دولتين على ما طرح حافظ الأسد وما ورد في معاهدة الأخوّة والصداقة والتعاون التي كانت واجهة للوصاية السورية على الطبقة الحاكمة. ولبنان برئاسة عون نعرفه برئيس جمهوريته المسيحي الحاضر دائماً في القمتين العربية والإسلامية، وهو يمثل رمزياً المسيحيين العرب فيما يمثل دستورياً اللبنانيين بمختلف أديانهم وطوائفهم.