IMLebanon

لبنان بلا رئيس: مرتع للصراع الإقليمي

بعد الجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد، قبل أكثر من ستة شهور، وحتى قبل ذلك، اتضح الواقع الذي يجري تجاهله لكنه مستمر: لا بد من تفاهم على رئيس توافقي. فأي من المرشحين آنذاك، المعلن سمير جعجع وغير المعلن ميشال عون، لا يمكنه العبور الى قصر بعبدا. وليس هنا مجال لتغليب فريق على فريق وإرادة على إرادة إلا بالقوة، لكن حتى غزوة “حزب الله” لبيروت في أيار 2008 لم تستطع فرض عون رئيساً في اطار تسوية “اتفاق الدوحة”.

رغم مرور الوقت وإرباك العمل الحكومي ووقف التشريع واتضاح المخاطر على الدولة والكيان، على الأمن والاقتصاد، لا يزال العماد عون معانداً النزول من أعلى الشجرة. كان بإمكانه أن “يصنع” الرئيس التالي، لكنه فضّل اقامة فراغ راح يملأه بأطروحات متأخرة وغير قابلة للتطبيق، بل تحتاج الى مناخ توافق سياسي، في حين أنه لزم دائماً جهة التوتير السياسي. ومن الواضح أن تخندقه في موقفه ليس مجرد عناد شخصي بل مراهنة على الصراع الاقليمي وانحسامه لمصلحة نظام بشار الاسد، وانتصار الهيمنة الايرانية، ما يعزز هيمنة تحالف عون – “حزب الله” في لبنان.

لم تكن هذه الحسابات العونية خاطئة كلياً، لكنها أسقطت خصوصية الوضع اللبناني بأبعاده السياسية والاجتماعية، عدا أنها ناقضت دفاعه عن “رئيس يُصنع في لبنان”.

ثم إن “الحرب على داعش” لخبطت كل الحسابات، فبقاء الاسد لم يعد مضموناً حتى لو بقي النظام، وايران تكثر حالياً من الحديث عن الاتساع الجغرافي لنفوذها قبل أن يتقلّص الى حجم واقعي.

وفي السياق تبدو احتمالات انعكاس الصراع السوري على لبنان أكثر خطورة مما سبق. لذلك تتمسك القوى الدولية بضرورة إبقاء لبنان خارج ذلك الصراع، وهو ما وافقت ايران عليه ليس حرصاً على لبنان بل لحاجتها الى “حزب الله” في دور أكبر مما شهدنا حتى الآن.

هذا “التحييد” للبنان يتناقض مع مجيء رئيس لا يمانع الانغماس في الصراع السوري وإقحام الجيش فيه.

ويستدل من أجواء محادثات السياسيين اللبنانيين مع الموفد الروسي ميخائيل بوغدانوف والفرنسي جان فرنسوا جيرو أنهما ينصحان بالبحث عن “رئيس توافقي”. وسيتاح للفرنسي أن يعرف قريباً جداً ما اذا كانت طهران جدية بموافقتها المبدئية على “التوافقي” أم إنها تخدعه بدفعه الى حلقة مفرغة قوامها اختباء ايران وراء موقف “حزب الله” المختبئ بدوره وراء موقف عون المستند عملياً الى تأييد “حزب الله” الذي يعتبر أن في موقفه مصلحة ايرانية

أيضاً.

اذا لم تحسم ايران وروسيا قريباً دعمهما لانتخاب “رئيس توافقي”، فهذا يعني أنهما تخطّطان لمدّ الصراع الاقليمي الى لبنان وتفضّلان استمرار الشغور الرئاسي.