IMLebanon

لبنان واليمن ورسائل الحريري

لم تكن زيارة الرئيس سعد الحريري الثانية الى لبنان بعد الإقالة التي تعرّضت لها حكومته منذ حوالى الاربع سنوات، تشبه زيارته الخاطفة الأولى في شهر آب من الصيف الماضي.

صحيحٌ أنّ شدّ العصب واستعادة زمام المبادرة على مستوى الساحة السنّية شكل هدفاً مشترَكاً للزيارتين، إلّا أنّ زيارة الحريري الحالية تحمل أهدافاً اضافية اخرى طابع بعضها اقليمي بامتياز وهو ما حملته رسائل خطابه المدروس بعناية.

في الزيارة الاولى كانت معارك عرسال تلهب مشاعر الشارع السنّي وسط نجاح الخلايا المتطرِفة في تسجيل بداية اختراق في وقت كانت فيه العمليات الانتحارية تتكاثر وتشتدّ. يومها وصل الى لبنان ومعه رزمة مساعدات وفي خلفية تحركه القرار الدولي بمنع لبنان من الانزلاق نحو جحيم الفوضى ووفق منطق دعم الجيش وقطع الطريق على الساعين لضرب وحدته.

أمّا اليوم فالامور لا تقلّ خطورة. صحيحٌ أنّ الجيش نجح في فرض نفسه في عرسال والتحكّم بزمام المبادرة الميدانية، إلّا أنّ الساحة السنّية ليست بخير، فيما الشرق الاوسط على أبواب زلزال سياسي يبدأ مع توقيع الاتفاق الاميركي- الايراني التاريخي في آذار المقبل، وسوريا تباشر الدخول في مفاوضات داخلية على قاعدة بقاء بشار الاسد على رأس السلطة.

فالخروج عن طاعة تيار «المستقبل» لم يعد يقتصر على حالات شعبية متطرِّفة، بل وصل الى الخطاب المتطرِّف والمعلن للنائب خالد الضاهر ما حتّم طرده من التيار.

وقد تكون خطورة المسألة بأنّ الاحداث السياسية المنتظَرَة (الاتفاق مع إيران والوضع في سوريا) ستشكل وقوداً إضافياً لإشعال هذا الواقع وهو ليس مقتصراً على الساحة السنّية في لبنان، بل يتعدّاها الى مساحاتٍ سنّية أخرى في العالم العربي.

ففي الاردن تسجل حالات سنّية – إسلامية واسعة. وعلى رغم أنّ إحراق الضابط الطيار الاردني معاذ الكساسبة خلق حالاً متعاطفة معه ومع النظام، إلّا أنّ تقارير الديبلوماسيين الغربيين تتحدّث يومياً عن شارع إسلامي محتقن ينذر بمضاعفات عند أوّل منعطف أو حادثة كبيرة؟

وفي مصر فإنّ حال الصدام ما بين الاسلاميين والسلطة الى تصاعد ومزيد من الاحداث الدموية، وفي الخليج تبدو الامور اكثر خطورة وتعقيداً.

يكفي الاطّلاع على النقاشات والتعليقات الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي لاستنتاج الواقع المحتقن والذي يهدِّد استقرارَ هذه الدول في حال تطوّر الامور.

وفي السعودية تزيد من حال الاحتقان التطورات التي أصابت اليمن، ذلك البلد الذي يشكل ساحةَ مصالح أمنية مباشرة للسعودية وحديقة خلفية لها.

في العراق وعلى رغم النجاح في انتزاع بعض المكاسب للفريق السنّي، فإنّ السلطة تبقى في قبضة الفريق الشيعي المتحالف مع ايران، أيْ إنّ الحضور السعودي عبر المجموعة السنّية في العراق سيبقى متواضعاً جداً.

وفي سوريا اجتاز الرئيس الاسد مسافة كبيرة لصالح استمراره في السلطة على الاقل حتى نهاية ولايته، وأضحت الاولوية هي لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية وليس أعداء إسقاط الاسد وترتيب نظام جديد.

وفي لبنان تراجع نفوذ تيار «المستقبل» وضعف حضوره في السلطة وتفكّكت مكوّنات «14 آذار» والتي كانت تشكل العباءة الوطنية لمشروع «المستقبل» ومن ورائه للنفوذ السعودي، في مقابل احتفاظ «حزب الله» بكامل قدراته وقوّته وثبات فريق «8 آذار» معه ومن خلفه النفوذ الايراني في لبنان.

أمّا في اليمن فاجتياحٌ إيراني كامل للسلطة من خلال الحوثيين. ومع التطوّرات اليمنية وجهت السعودية إشارات التململ الى واشنطن: «تكتفون بإجراءاتٍ شكلية على ما حدث كمثل إقفال السفارات وسحب البعثات الديبلوماسية، فيما تستعدون لضرب المتطرّفين في اليمن من دون منع إيران من السيطرة على هذا البلد».

واشنطن من جهتها كانت أرسلت الى القيادة السعودية اعتقادَها أنّ وجود حاجز شيعي يفصل بين اليمن الجنوبي، حيث القاعدة والداخل السعودي، ويُتوِّجه اتفاقٌ في العمق بين طهران والرياض، سيشكّل حزامَ أمان للسعودية. كذلك سيفتح الباب امام صراع استنزاف بين الحوثيين والمتطرفين السنّة يخسر فيه الاثنان ويؤهل السعودية لاحقاً لإعادة الامساك بالوضع بشكل أفضل.

لكنّ القيادة السعودية الجديدة لا تبدو موافقة على ذلك وهي مقتنعة أنّ إمساك إيران بمفاصل السلطة في صنعاء سيعزّز شعبية الحركات المتطرّفة في الشارع السعودي وسيضعف ما يُعرف بالاسلام المقبول، ما سيدفع السلطة لوقف محاربتها لهؤلاء وربما للعودة الى سياسة غض النظر عن نشاطاتهم.

وقيل إنّ المسؤولين السعوديين قالوا لنظرائهم الاميركيين إنّ معادلة غضّ النظر عن التمدّد الايراني بحجة مواجهة المتطرّفين ستؤدي للقضاء على الاسلام المعتدل.

أما معادلة الحدّ من تمدّد إيران وترك الاسلام المعتدل يواجه الاسلام المتشدِّد، فهي المعادلة الصحيحة وحسب أوساط ديبلوماسية معنية فإنّ السعودية ألمحت الى أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه في اليمن قد يدفع السعودية للوقوف جانباً، وهي إشارة فهمت منها واشنطن التلميح بخروج السعودية من التحالف الدولي لمحاربة داعش ما يعني عدم منح الغطاء الإسلامي لهذا التحالف.

وحسب هذه الأوساط فإنّ السعودية بدت موافقة على الواقع الحالي للعراق وعلى الوضع الذي رست عليه سوريا، وبالتالي استعدادها لتجاوز هاتين الساحتين لكنها تريد استعادة التوازن في كلٍّ من اليمن ولبنان ومن هنا الرسائل التي حملها سعد الحريري من البيال. وكان واضحاً الشق الاقليمي العالي السقف من خطابه وحلف الاردن والسعودية ومصر.

ففي لبنان تبدو الساحة السنّية تتململ من نتائج الحوار الدائر مع «حزب الله»، ذلك أنّ السعودية تريد استعادة التوازن من خلال الاستحقاق الرئاسي وتشكيل حكومة جديدة ووفق أسس واضحة تقوم على مبدأ التوازن.

وحسب المعلومات، فإنّ الرئيس الحريري الذي قدّم ما لديه من خلال خطابه المدروس، انتظر ليسمع جواب «حزب الله». وفي انتظار خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله مساءَ اليوم والذي لا بدّ أن يحمل أجوبة على الرسائل التي حملها الحريري، فإنّ الامور تبدو أمام طريق من اثنين:

1- إما بقاء الحريري لوقتٍ طويل نسبياً في لبنان وإدارة ما تبقى من الحوار مع الحزب على أساس إنتاج تسوية كاملة من خلال باب الاستحقاق الرئاسي كمدخلٍ إلزامي.

2- أو المغادرة في حال كانت الردود سلبية على ما حمله، وعندها ستذهب الساح انسجاماً مع المناخ العام الى مرحلة جديدة من المواجهات الحامية.

واحدة في اليمن وثانية في العراق وثالثة خصوصاً في سوريا ورابعة في لبنان حيث التنظيمات الارهابية تتحضر في مناطق جرود عرسال وبعلبك.

صحيحٌ أنّ الجيش السوري و«حزب الله» نجحا في إبعاد الخطر عن شبعا بعد العملية العسكرية التي فصلت الجولان عن درعا، وبالتالي قطع طرق الامدادات، لكنّ حشودهما موجودة بقوة في البقاعين الشمالي والاوسط.