Site icon IMLebanon

موقع لبنان الصعب في صدام المشاريع

 

لبنان يدخل مرحلة يمكن ان تسمّى انتخابات ما بعد الانتخابات النيابية. لا فقط بالنسبة الى اعادة تكوين السلطة بل أيضا بالنسبة الى ما تتصور أطراف انه اعادة تشكيل البلد. وليس فيها نسبية ولا صوت تفضيلي بل رهانات على أوراق قوة في الداخل والخارج. وهي بالطبع مرحلة الانتقال من المعارك الصعبة في الانتخابات الى الحرب الأصعب بعدها.

عنوان الحرب هو السباق على التوظيف السياسي لما قال كل طرف انها انتصارات وأرباح حققها عبر صناديق الاقتراع، بما يضمن تكريسها عمليا، وإلا صار الربح في المعارك خسارة في الحرب. والمشهد العام هو شدّ حبال بين فريقين على توجهين مختلفين: واحد يأخذنا الى حيث لا شيء يبقى كما كان، وآخر يأخذنا في النهاية الى التسليم بالمزيد من الشيء نفسه بعد الاصطدام بكل الحواجز والجدران.

ولا حدود لطموحات الذين يتصرفون على أساس ان الساعة دقّت لتغيير الجيوبوليتيك في لبنان أو أقله للتحكّم بالمفاصل الأساسية. ولا نقص في واقعية الذين يمارسون اللعبة ضمن الثوابت والتوازنات. لكن التاريخ علّم ولا يزال يعلّم الجميع ان حواجز النظام وجدرانه قوية جدا. والتجارب كفيلة بتذكير الكل بأن الجانب الداخلي من اللعبة في لبنان ليس معزولا عن الجانب الخارجي، وبالتالي فان موازين القوى المحلية كانت ولا تزال تتأثر بموازين القوى الاقليمية والدولية. ومن الوهم، في الواقع، ان يراهن حتى الأقوياء على تثبيت الانتصارات والأرباح في بلد ليس في منأى عن التطورات والتحوّلات الكبيرة من حوله، وان رفع رسميا شعار النأي بالنفس.

ذلك ان لبنان لا يزال على مفترق طرق فوق خارطة الصراع الجيوسياسي الدائر في المنطقة وعليها. والتوجه نحو هذا الطريق أو ذاك ليس قرارا بمقدار ما هو مسار تتداخل فيه ارادة اللبنانيين ورؤاهم للحاضر والمستقبل وارادات قوى اقليمية ودولية منخرطة في الصراع الجيوسياسي. فلا في سوريا اكتمل نضج الثمار السياسية للدور العسكري الروسي الكبير. ولا في الانتخابات النيابية في العراق ولبنان جرى التكتم على صدام المشاريع وخصوصا بين مشروعين: مشروع ايراني تحت اسم محور المقاومة والممانعة، ومشروع عربي وغربي لمواجهة المشروع الايراني من دون تصور استراتيجي شامل.

 

 

والأهداف متعددة في انتخابات ما بعد الانتخابات، لكن الهدف الأبرز في شدّ الحبال هو تحديد موقع لبنان على الخارطة: هل يصبح جزءا من المشروع الايراني أم يعاد الاعتبار الى جوهر الوطن الصغير وخصوصيته والانفتاح على الجميع من دون التخلّي عن الذات، أم نصل الى شيء بين بين؟ كل القوى الخارجية والطوائف الطموحة جرّبت واكتشفت ان لبنان مقبرة الرهانات الكبيرة.