لم يحصل لبنان على أي رد فعل دولي واضح على الشكوى التي تقدم بها إلى الأمم المتحدة مطالباً إياها بالتحقق مما إذا كان هناك اعتداء إسرائيلي على المنطقة المتنازع عليها في عرض البحر بعد تلزيم شركة “إنرجين” اليونانية حفر 3 إلى 5 آبار لشركة “هاليبورتون” الأميركية، في حقلي “كاريش” وكاريش نورث” اللذين يقعان قرب البلوك الرقم 9 التابع للمنطقة الاقتصادية الخالصة التي سبق للبنان أن حددها استناداً للخط البحري 23 والتي تسلب الخرائط الإسرائيلية 860 كلم مربعاً منها.
وسواء حصل رد الفعل هذا أم لا، فإن من الواضح أن تلزيم “هاليبورتون” الحفر يحمل عدم اكتراث إسرائيلي وأميركي في الوقت نفسه إزاء المطلب اللبناني رفع سقف مطالبه منذ تشرين الثاني الماضي مطالباً بـ 1460 كلم مربعاً إضافية على الحصة التي يطالب بها منذ سنوات بعد تحديده الخط البحري الجديد الرقم 29، الذي تقع ملكية لبنان ضمن نطاقه. فحين تجمدت المفاوضات بسبب رفض الجانب الإسرائيلي مجرد المناقشة في الخط الجديد، طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من الجانب الأميركي (حين زار مساعد وزير الخارجية بالإنابة ديفيد هيل بيروت في نيسان الماضي) إقناع إسرائيل بتجميد عمليات الحفر واستخراج الغاز في حقل كاريش، في انتظار البت في الخلاف، لكن تل أبيب ردت بالرفض، إضافة إلى اعتراضها على اقتراح الاستعانة بخبراء دوليين…
حالة عدم الاكتراث هذه رافقها امتناع الجانب الأميركي عن تجديد الوساطة التي تقوم بها بلاده بين بيروت وتل أبيب، بعد تجميد إسرائيل المفاوضات، عن طريق اقتراح السفير الأميركي جون دي روشير كرئيس للوفد الأميركي الذي نسق 4 جولات تفاوضية، بالقيام بجولات مكوكية بين البلدين، بدل عقد اجتماعات في الناقورة بضيافة الأمم المتحدة وحضورها وبتسهيل منه، للتوصل إلى قواسم مشتركة. دي روشير ذهب ولم يعد، وكان ذلك تطبيقاً عملياً لما تبلغه الجانب اللبناني بأن الإصرار على الخط 29 يعني نهاية المفاوضات.
هل بلغ عدم الاكتراث بثروة لبنان الغازية والغازية المفترضة التي كان بشرنا الفريق الرئاسي بأنها تحوله إلى دولة نفطية،عند بدء شركة “توتال” الفرنسية الحفر في البلوك رقم 4 قبالة الشاطئ الممتد من شمال بيروت إلى قبالة البترون، حد عدم الاهتمام من قبل تحالف “توتال” مع “إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية في الحفر في البئر رقم 9 قبالة الشاطئ الجنوبي؟ فعدم اكتشاف كمية تجارية من الغاز في البلوك 4 كما قيل وقتها، كان يُفترض أن يتبعه الحفر في البلوك رقم 9، لكن ذلك لم يحصل رغم مضي سنة ونصف السنة.
في وقت يعد بعض المسؤولين أنفسهم بأن “توتال” وتحالف الشركات الثلاث سيبدآن الحفر مطلع العام 2022، وإلا تفقد الشركات عقد التزامها مع دفعها غرامة مالية للبنان، ويجزم بعض العارفين أنه من غير المتوقع أن تعود باخرة التنقيب، وأن لا حفر لأي بئر مرتقب في المياه اللبنانية، تارة بسبب استمرار الخلاف مع إسرائيل على ملكية جزء من البلوك 9، وأخرى بتبريرات من نوع أن إطلاق قطاعي الغاز والنفط اللبنانيين يخضعان لشروط سياسية تبدأ بتصحيح الأوضاع السياسية فيه بحيث لا تبقى السلطة خاضعة لنفوذ “حزب الله” الذي سيستفيد مما يتم اكتشافه من ثروة غازية ونفطية، وأخرى بأن تسليم هذه الثروة للطبقة السياسية المسؤولة عن إفلاس البلد وانهياره الاقتصادي والمالي، سيؤدي إلى إساءة استعمالها.
سواء دخل تحويل لبنان دولة غازية ونفطية، حلبة المساومات الإقليمية ودور “حزب الله” كذراع لإيران أم لا، فإن النتيجة هي أنه بات حتى إشعار آخر، خارج نادي الدول التي تتوزع الغاز وفق الأنبوب العربي، وفي إطار منتدى شرق البحر المتوسط للغاز الذي مقره القاهرة، فيما هناك حديث عن أن استجرار الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا هو مقدمة إلى ضم الأخيرة إلى هذا المنتدى لأن كميات الغاز التي تختزنها كبيرة جداً.
مع الصعوبات السياسية التي تواجه ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، يطرح السؤال عما إذا كان الاقتراح الإيطالي الذي برز قبل أقل من سنة، ويقضي بأن تتفق الشركات التي حصلت على عقود الحفر في كل من لبنان وإسرائيل، على توزيع ما يمكن اكتشافه من غاز على الدولتين وفق تقدير للحصص يرضي الطرفين، سيعود إلى الواجهة.