Site icon IMLebanon

“فتح كوّة” خليجياً ومقايضة محلية

 

يأمل مرجع لبناني ببعض الحلحلة في علاقات لبنان الخليجية بعد القمة الفرنسية السعودية وما نجم عنها من فتح كوة في جدار القطيعة عبر الاتصال الثلاثي الذي جرى أول من أمس بين الرئيس إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

 

يمكن لميقاتي أن يتموضع بعد هذا الاتصال الثلاثي في موقع المعترف بدوره في السعي إلى الحلول والمخارج على طريق ما يعتبره هو وغيره من كبار المسؤولين اللبنانيين “أفضل العلاقات مع الدول العربية ولا سيما الخليجية وخصوصاً السعودية” في خضم الأزمة التي عصفت بعلاقات لبنان مع هذه الدول. والتجاوب السعودي مع الجانب الفرنسي في الانفتاح ولو الأولي عبر هذا الاتصال، على مسؤول لبناني، يعود عملياً إلى الدور الذي لعبه رئيس الحكومة في دفع وزير الإعلام جورج قرداحي إلى الاستقالة خلال الأيام الأربعة التي سبقت إعلان الأخير عنها، كإشارة حسن نية لا بد منها كان يطالب بها منذ بداية الأزمة أواخر شهر تشرين الأول الماضي، خلافاً لمطالبة “حزب الله” بالمقابل لتلك الاستقالة، أي مقابل الشرط التعجيزي الذي لم يأخذ به ميقاتي، عبر إصراره على “أن يقوم لبنان بما عليه”، ورفضه طرح أي مقايضة للاستقالة مع الدول الخليجية.

 

ومع فتح هذه الكوة في جدار الأزمة، يدرك معظم الوسط السياسي اللبناني باستثناء قلة، أن مهمة لبنان في تنفيذ مندرجات البيان الفرنسي السعودي لن تكون سهلة، لا على من هم في السلطة المتهمة من قبل السعودية بالخضوع للقرار الإيراني، ولـ”حزب الله” ولا على الحكومة نفسها وميقاتي أيضاً. فالبيان المشترك رسم خطوط التعاون والتقارب الثنائي في شأن العديد من القضايا الإقليمية وتناول بالتفصيل الموقف في الدول التي تشهد تأزماً وحروباً وتوترات إيرانية – عربية، عبر أدوات طهران فيها من العراق إلى اليمن وسوريا إضافة إلى فلسطين وليبيا وصولاً إلى “عدم التعاون والشفافية من قبل إيران” في التفاوض على البرنامج النووي الإيراني انتهاءً بالإشارة إلى “نشاطاتها المزعزعة للاستقرار والاعتداءات” على السعودية بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة.

 

حدد البيان مطالب المجتمع الدولي برمته من لبنان، والتي يقف تشدد “حزب الله” حتى الآن حاجزاً دون تنفيذها سواء لرفضه إياها حين تتعلق “بضرورة حصر السلاح بمؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال ارهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، أو معيقاً لها بسبب مراعاته لحلفائه، حين تتعلق “بالإصلاحات الشاملة وخصوصاً في قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود”، أو متغاضياً عنها مثل المتعلقة “بالالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي”، الذي تارة يشكك به وأخرى يترك لحلفائه في “التيار الوطني الحر” نسفه وخرقه.

 

قد يكون اتفاق الدولتين على تعزيز دور الجيش اللبناني وتقديم المساعدات الإنسانية، وعزمهما على “إيجاد الآليات المناسبة بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني”، من بنود البيان المشترك التي لا تحتاج إلى أن تتصدى لها الحكومة الجديدة لأن الهدف مرور هذه المساعدات مباشرة إلى مستحقيها من دون المؤسسات الرسمية حتى لا يضع أخطبوط الفساد يده عليها.

 

اما البنود الأخرى، السياسية، فتعني تطابق موقف باريس مع موقف الرياض وتفهماً لخلفيات غضبها من السلطات اللبنانية، جراء خطف “حزب الله” قرارها.

 

قد يكون ماكرون نجح في إقناع الرياض بالحجة التي يتفهمها حتى بعض المسؤولين الخليجيين، والقائلة إنه يفترض عدم ترك المجال لإيران أن تملأ فراغ الانسحاب العربي من البلد. والبيان والاتصال الثلاثي قد يتيحان لهذه الدول التي تضامنت مع غضب المملكة العربية السعودية لأن لا مجال لخرق هذا المبدأ في سياستها الخارجية مهما كانت الظروف، أن تنفتح مجدداً على تقديم المساعدات الإنسانية وللجيش، مع إمكان النظر في بعض المساعدات الاقتصادية وفقاً لشروط ومطالب صندوق النقد الدولي، لا أكثر.

 

يتوقع المعنيون مخرجاً آخر لاجتماع الحكومة خلال الأسبوعين المقبلين، ليُطرح عليها كيف ستتعاطى مع المطالب الفرنسية – السعودية المشتركة. وعلى رغم نفي حصول مقايضة بين استقالة قرداحي وبين تنفيذ شروط “الثنائي الشيعي” في شأن إزاحة المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، فإن التمهيدات تجرى على قدم وساق من أجل حصول مقايضة من نوع آخر، وهي أن يحضر نواب “التيار الوطني الحر” الجلسة النيابية التي دعا إليها الرئيس نبيه بري غداً الثلثاء، ويقبلوا بالمخرج الذي اقترحه الأخير وسبق للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أن وافق عليه، بفصل ملاحقة القاضي النواب والوزراء الذين ادعى عليهم البيطار عن التحقيق العدلي ليخضعوا للجنة تحقيق برلمانية وإحالتهم على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مقابل حصول “التيار الحر” على ما يطالب به في قانون الانتخاب، أي إبقاء المقاعد الستة للمغتربين (الدائرة 16 في قانون الانتخاب). فالمتابعون لهذا المخرج يعتبرون أنه يرضي ميقاتي بعودة الحكومة للإجتماع، والثنائي الشيعي بتقليص صلاحيات البيطار، و”التيار الحر” بالحصول على ما يريد في قانون الانتخاب، قبل صدور قرار المجلس الدستوري في شأن الطعن الذي قدمه تكتله النيابي.