تتوالى أزمة لبنان الوجودية فصولاً منذ العام 1975 وقد وصلت إلى أخطر مراحلها. فبعد المرحلة الفلسطينية والسورية، وقع لبنان في براثم الجمهورية الإسلامية في إيران.
المجتمع اللبناني مفكك، فاقد لهويته، تائه بين الولاءات للطوائف والمذاهب والعشائر وزعامات البيوتات السياسية القديمة والمستجدة.
النظام اللبناني ديمقراطي بالشكل ولكنه، في واقع حاله، نظام تعددية الدكتاتوريات في إطار ديمقراطية مسخ.
الدولة شكلية : القرارات تؤخذ خارج المؤسسات الدستورية (رئاسة الجمهورية، الحكومة، البرلمان) من قبل حفنة من «زعماء» بلا حياء يتقاسمون ما تبقى من فتات المائدة السلطوية تحت إشراف ورعاية «الشريك» الأقوى، أي حزب الله. ثم يظّهرون «قراراتهم» داخل المؤسسات الدستورية.
الإقتصاد يترنح
الفساد المستشري، البطالة، الشيخوخة غير المؤمنة، الفقر، الطبابة، الكهرباء، الماء، البيئة، الطرقات، السير، القمامة،… كلها مشاكل مهمة جداً يتوجب مقاربتها بموضوعية وعلم ودون مزايدات، دون أن نتوقع معالجة جدية لحلها طالما حزب الله ممسك بالقرار اللبناني، يصول ويجول في المعمورة، واضعاً لبنان على فوهة البركان الإقليمي.
لبنان يرزح تحت إحتلال الجمهرية الإسلامية في إيران من خلال وجهها اللبناني: حزب الله.
من نافل القول أن أية دولة في العالم تحصر حيازة السلاح وإستخدامه في يدها دون سواها. فلا قيامة فعلية لأية دولة في ظل وجود السلاح في يد الميليشيات. فكيف إذا كانت في لبنان، ثمة ميليشيا أقوى من القوات المسلحة اللبنانية؟!
إن الدستور اللبناني كما إتفاق الطائف وكافة القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان، ولا سيما القرارين 1559 و1701، تؤكد على هذا الأمر. لذا، يتوجب أن يكون تسليم سلاح حزب الله للجيش اللبناني، الهدف الإستراتيجي الرئيسي للقوى السيادية اللبنانية.
فالجيش كفيل بتشغيل صواريخه لحماية لبنان مظللاً بالثالوث الذهبي: الدستور، الطائف والقرارات الدولية، إضافة إلى التحييد الذي نص عليه إعلان بعبدا.
وبالمناسبة، لا معنى لكلمة المقاومة بعد تنفيذ القرار 425، فسوريا-الأسد لم ولن تعترف بلبنانية مزارع شبعا لكي ينظر إليها كأرض لبنانية محتلة.
بالإضافة إلى أن كلمة المقاومة أضحت ملتبسة.
فقد إستأثر بها حزب الله وأصبحت مرادفة له. وهو يوصفها في أدبياته وأحياناً في وسائل إعلامه بالمقاومة الإسلامية في لبنان، ولا حتى بالمقاومة الإسلامية اللبنانية. وقد جعل هدفها يتدرج من «تحرير» الأرض اللبنانية، وتحديداً الجنوب اللبناني، إلى حماية لبنان من العدو الصهيوني التوسعي الذي يطمع بأرض لبنان ومياهه ونفطه، وبالتالي يشكل خطراً دائماً جاسماً على صدره لا يزول إلا بزوال دولة إسرائيل. وقد جعل من أميركا العدو الرئيسي الذي يتآمر على الأمة الإسلامية جمعاء ويقود محور الشر: إسرائيل، غالبية الدول العربية والإسلام التكفيري، في مواجهة محور الخير (محور المقاومة) التي تقوده الجمهورية الإسلامية في إيران.
فهدف «المقاومة» هذه، يتعدى مواجهة إسرائيل وتحرير كامل تراب فلسطين ويصل إلى مواجهة أميركا والغرب، ومروراً بإخضاع العالم العربي عبر دعم أو إحداث «ثورات» إسلامية في دوله تزعزع كيانها بهدف وضع اليد عليها! أما غائيتها النهائية، فهي وضع المعمورة بأسرها تحت حكم الشريعة الإسلامية وفقا» لعقيدة ولاية الفقيه.
فالحزب جزء لا يتجزء من الجمهورية الإسلامية في إيران. أعضاؤه لبنانيون. ولكن علاقته بإيران عضوية منذ نشأته في أوائل الثمانينات: فهو أهم فصيل في فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، المسؤول عن تصدير الثورة الإسلامية (بمفهوم ولاية الفقيه) إلى العالم.
فحزب الله لبناني بالجنسية وإسلامي-فارسي بالمضمون والمشروع. هو إيران-الإسلامية التي تتكلم العربية. هو قاطرة التنظيمات العسكرية المنضوية في فيلق القدس.
لهذه الأسباب كلها، من رابع المستحيلات لبننة حزب الله لأنها بكل بساطة، تفقده علة وجوده.
فالتعاطي مع حزب الله، بالتغاضي عن طبيعته وعلى قاعدة أنه حزب لبناني أو على طريق أن يتحول إلى حزب لبناني، يشكل خطأً» جسيماً» عند البعض وورقة التين التي يتستر بها البعض الآخر لتبرير مشاركته الدونية في السلطة لتحقق له «مصالحه» السلطوية الهزيلة. إن هذا التغاضي أدى ويؤدي إلى مسارات ومهالك كالتي أنتجته «التسوية».
ولأن هذه هي طبيعة حزب الله ومشروعه،
ولأن ميزان القوى الإقليمي واللبناني بات لصالحه حتى الآن منذ نهاية عام 2013 وبالتالي أصبح قرار لبنان بيده،
ولأن المساكنة المستحيلة منذ عام 2005 في ظل ميزان قوى كان أفضل بكثير للقوى السيادية في حينها، أجهضت ثورة الأرز وكلفت عددا» كبيرا» من الشهداء وأوصلت إلى حرب تموز 2006 التي دمرت لبنان وقوّت قبضة حزب الله على لبنان وشلت السلطة وأنتجت أحداث أيار 2008 وأدت إلى بداية فرط عقد 14 آذار،
لأن حزب الله يريد «إقناع» اللبنانيين بالقوة بأن ما يفعله هو الصواب ولأن الدولة اللبنانية الممسوكة منه تحت شعار وحدة وطنية مزعومة تخدم مشروعه على حساب لبنان واللبنانيين وتشكل الدرع الواقي الشرعي لتدخلاته «الثورية» في المنطقة وأداة إضافية لسياسته الإقليمية ومشروعه الكوني الذي لا ناقة ولا جمل لللبنانيين فيه، ولأن المساكنة في ظل إختلال ميزان القوى، تظهر للعالم الخارجي صورة خداعة للبنان قد أصبح كله حزب الله والدولة تكون قد إبتلعتها الدويلة. فيكون حزب الله قد حمّل اللبنانيين جميعا» تبعات مغامراته في لبنان والمنطقة، عسكرياً، أمنياً، إقصادياً، إجتماعياً، وفي كل المجالات، ولا سيما في هذه المرحلة التي تنذر بمواجهة حاسمة بين المحورين في المنطقة، وبالتالي تضع لبنان في حالة من المخاطر القصوى،
ولأن من راهن على لبننة حزب الله ساهم في واقع الأمر بحزبلة لبنان،
لهذه الأسباب كلها، نقول:
إن المدخل الوحيد لإخراج لبنان من عنق الزجاجة يكمن بإعطاء الأولوية لإستعادة السيادة. المطلوب تظهير صورة لبنان الرافض لهيمنة حزب الله بعدم تغطيته من خلال «مشاركته» الدونية في السلطة.
فلا لربط نزاع كلامي مع حزب الله ونعم لفك الإرتباط الفعلي معه.
ولا لنأي بالنفس للدولة يشكل غطاءً للحزب لإنخراطه في حروب المنطقة.
ونعم للمطالبة الصريحة لعودة حزب الله النهائية إلى لبنان.
لا لحيازته لأي سلاح ونعم لتسليم سلاحه للجيش اللبناني المؤهل لإستخدامه لحماية لبنان.
لا لإبقاء السلاح في يد حزب الله ووضع قرار إستخدامه بيد سلطة يهيمن عليها.
لا خسارة وطنية في عدم مشاركته في الحكومة (الخسارة هي خسارة «سلطوية» مصلحية تافهة للبعض).
فأفضل ما يمكن فعله هو الذهاب بثقة بإتجاه تزخيم معارضة سيادية، سلمية، عابرة للطوائف تهدف إلى:
لبننة لبنان مجدداً بالتمسك بكيانيته الأصيلة كمساحة حضارية رائدة في هذا الشرق المظلم.
تطبيق الدستور نصاً وروحاً.
تنفيذ إتفاق الطائف بكافة مندرجاته دون إستثناء.
إعادة لبنان إلى الحاضنة العربية مع الحفاظ على إستقلالية قراره الوطني عن أي دولة عربية.
دفع المجتمع الدولي إلى تفعيل تنفيذه للقرارات الدولية ذات الصلة بلبنان، ولا سيما القرارين 1559 و1701.