Site icon IMLebanon

تاريخ لبنان حافل بـ «انفجار» التحالفات

توصيف الرئىس نبيه بري لقوى 8 و14 آذار بأنها في «موت سريري» واقعي جداً، لكن لا يمكن التغاضي عن ان 8 و14 آذار يعتبران الاطول عمراً والأكثر تماسكاً وشراسة، فكل طرف لم تعد له الاهداف والتحالفات نفسها، وسبق لرئيس مجلس النواب ان نعى 8 آذار، كما ان التحالف الرباعي الذي قام في ايار عام 2005، في الانتخابات النيابية وانعكس على تشكيل الحكومة الاولى برئاسة فؤاد السنيورة بعد الانسحاب السوري، كان اسقاطاً للقوتين السياسيتين اللتين نشأتا في اذار من العام 2005، الاولى وضمت حلفاء سوريا بقيادة «حزب الله»، واقامت تجمعاً شعبياً كبيراً في ساحة رياض الصلح في 8 آذار رفع شعار «شكراً سوريا»، فانتسب الى هذا التاريخ، الذي جاء بعده باسبوع 14 آذار، لتلتقي فيه كل القوى المناهضة للنظام السوري والمطالبة بانسحاب قواته العسكرية من لبنان، فسميت بقوى 14 آذار، بعد ان كانت تسمى «بلقاء البريستول» و8 آذار «بلقاء عين التينة».

فالتحالفات لا تدوم في لبنان، وهي ظرفية وسياسية، وقد شوهد العديد منها واندثرت، كما يشير قيادي حزبي مخضرم، اذ يتذكر كيف كانت التحالفات تتبدل بين «الكتلة الوطنية» برئاسة اميل اده والكتلة الدستورية برئاسة الشيخ بشارة الخوري، ومن ثم تأسيس «الجبهة الوطنية الاشتراكية» التي كان من ابرز قادتها كميل شمعون وكمال جنبلاط وغسان تويني، وعندما اسقطت رئىس الجمهورية بشارة الخوري في ايلول 1952 سلمياً، انسحب منها جنبلاط وانقلب على شمعون معارضاً لعهده.

وفي تعداد التحالفات والجبهات واللقاءات، فهي كثيرة، وفق القيادي الذي يذكر ما حصل في الحرب الاهلية، بانقسام اللبنانيين بين «الجبهة اللبنانية» التي ضمت الاحزاب اليمينية المسيحية والتي كانت توصف بـ«الانعزالية» ومهد لها «الحلف الثلاثي» و«الحركة الوطنية اللبنانية» التي ضمت احزاباً يسارية وقومية وناصرية وشخصيات اسلامية، وكل منهما تفرّق اعضاؤه، «الجبهة اللبنانية» التي خرج منها ريمون اده ثم سليمان فرنجية، ليبقى فيها حزبا الكتائب والوطنيين الاحرار، الذي قام بشير الجميل، بتصفية التنظيم العسكري «نمور الاحرار» تحت شعار «توحيد البندقية المسيحية» باسم «القوات اللبنانية»، التي انقسمت على بعضها، وحصلت دخلها انتفاضات وتصفيات.

اما «الحركة الوطنية»، فانتهت صلاحياتها مع الاجتياح الاسرائيلي في حزيران العام 1982، لتتقمص في «جبهة الخلاص الوطني» برئاسة الرئيس سليمان فرنجية ضد عهد امين الجميل، ونجحت في اسقاط اتفاق 17 ايار بين لبنان الرسمي والعدو الاسرائيلي عبر انتفاضة 6 شباط عام 1984، لينقسم الجيش والمؤسسات، وتسيطر الميليشيات، «امل» والحزب التقدمي الاشتراكي في بيروت الغربية واقتتالهما في شوارعها، و«القوات اللبنانية» في بيروت الشرقية، والصراعات بين احزابها.

هذا هو لبنان، منذ العام 1943، وما يحصل من تفكك داخل 8 و14 آذار، هو في سباق طبيعي وفرز تحالفات تفرضها كل مرحلة سياسية، يؤكد القيادي الحزبي، الذي يشير الى انه ومنذ تأييد الرئيس سعد الحريري لترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية انقلب المشهد السياسي، الذي قابله ترشيح سمير جعجع للعماد ميشال عون للمنصب نفسه وانسحابه من معركة رئاسة الجمهورية، وهذا ما ادى الى حصول تبدلات في التحالفات، فتوقفت جلسات الامانة العامة لـ 14 آذار، وبات الاجتماع الدوري «للاحزاب والقوى الوطنية والاسلامية» خاليا من المضمون السياسي، وبعيدا عن تحديد مواقف، ونأى بنفسه عن انتخابات رئاسة الجمهورية، كي لا تعصف الخلافات داخله، وقد ظهرت الى العلن، مع تأييد حركة «امل» للنائب فرنجية، وثبات «حزب الله» على تأييده للعماد عون.

هذه الخريطة السياسية للتحالفات والمواقف، تركت الرئىس بري يصف وضع 8 و14 آذا بـ «الموت السريري»، وان من خرج منهما الى الوسطية ليس افضل حالا في الاحباط السياسي الذي عبّر عنه النائب وليد جنبلاط بأنه سيستقيل من النيابة لصالح نجله تيمور، اضافة الى ان الحريري انفتح على قيادات سنية في 8 آذار، تحت شعار ترتيب «البيت السني» تحت سقف السعودية، وهو ما ظهر من اجتماع الحريري والوزير السابق عبد الرحيم مراد، الذي هو من صلب 8 آذار ويبرر ما اقدم عليه لأسباب تتعلق بقضية خاصة تتعلق بالمؤسسات التربوية والاجتماعية التابعة له، وتسجيلها للاوقاف الاسلامية.

لقد اصاب بري بتوصيفه واقع 8 و14 آذار، بأنهما في «موت سريري» وهو ما يؤشر الى مرحلة جديدة من التحالفات التي ستفرضها ما ستسفر عنه انتخابات رئاسة الجمهورية المؤجلة، الى ما ستنتهي اليه الاوضاع في سوريا، والمحادثات حول اليمن، واحتمالات حصول حوار سعودي – ايراني، وفق ما يقول المصدر الذي يشير الى ان خلط الاوراق الداخلية، وغياب الحلول للازمات والحروب في المنطقة، هو ما يجعل 8 و14 آذار في «موت سريري».