Site icon IMLebanon

إستراتيجية الأمن القومي اللبناني: لا دولة من دونها ومن أولويّات الرئيس المنتخب

 

في «ندوة الإستقلال» التي نظّمتها الحركة الثقافية – انطلياس في ١٨نوفمبر ٢٠٢٤ بمناسبة الذكرى السنوية الحادية والثلاثين لاستقلال لبنان، تحدثنا حول «إستراتيجية الأمن القومي اللبناني». بعد عرض حيثياتها العلمية والخطوط العريضة لاسقاطاتها التنفيذية على الواقع اللبناني، قلنا التالي:

(لقد وضعنا تلك الاستراتيجية التي لا يمكن تطبيقها إلّا بالتوازي مع إصلاحات بنيوية تتناول مقوماتها العلمية الخمس. يجب إبقاء تلك المقومات سرية وعدم معالجتها في الإعلام. سيتم تسليم أول استراتيجية تنفيذية للأمن القومي اللبناني الى رئيس الجمهورية فور انتخابه). وهذا ما سنفعله بعد 9 كانون الثاني 2025.

 

وهنا تبرز إشكالية جوهرية: هل يمكن تنفيذ تلك الاستراتيجية من قبل سياسيين أوصلوا الدولة واستقلالها الى الانهيار؟ أي هل يمكن لحكام أظهروا في غالبيتهم الساحقة فشلاً ذريعاً في بناء الدولة أن ينجحوا في وضعها والتزامها؟ الجواب العلمي الموضوعي: بالتأكيد لا!!! لذلك يجب تنفيذ الاصلاحات البنيوية التي حدّدها «مؤتمر جنيف الدولي 2021» الذي وضع «ميثاق الاعتدال لبناء الدولة»، ونؤكد أنه لو تم تنفيذ هذا الميثاق في حينه لما حصل الانهيار وتداعياته وليس أقلّها وقوع «الحرب – العدوان».

إذن ما هو الحل؟ الحل هو في تطبيق «إستراتيجية الأمن القومي اللبناني» التي وضعها خبراء متخصصون وباحثون، ولأنهم أصحاب فكر معتدل فلن تقيّدهم أجندات خارجية أو رهانات مصلحية، فالبحث العلمي سيوصلهم بالتأكيد الى مساحة الاعتدال المشتركة وعنوانها الوحيد: بناء دولة الاستقلال على أساس «الدستور – الطائف». باختصار شديد: بدون هذه الاستراتيجية سيبقى لبنان رهين المحاور وسينزلق إلى انهيارات عنفية داخلية خطرة.

 

ان أهمية هذه الاستراتيجية ستبقى حاسمة من أجل قيام الدولة، والمعادلة العلمية التالية تترجم قوتها :

قوة استراتيجية الأمن القومي = (ثوابت التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا والثقافة والهوية الوطنية) + (المتغيّرات السياسية والاقتصادية والعسكرية) x (الإرادة السياسية)

فإذا غابت الإرادة السياسية فان قوة الاستراتيجية ستضعف، وبالتالي ان قوة الدولة ستهبط وتبلغ حد الانهيار، وهذا ما حدث في لبنان وما ارتكبه حكامه من خطايا بعد أن غيّبوا الإرادة السياسية فانهارت الدولة.

اللبنانيون اليوم في مأزق وجودي كياني خطير! وليس لهم لمواجهته إلّا سلاحين: فكر الدولة، والوحدة الوطنية في جمهورية ذات رأس، وبالتالي يقتضي انتخاب رئيس للجمهورية دون إبطاء، رئيس يعمل على بناء الدولة وفق «استراتيجية الأمن القومي اللبناني» التي سيستلمها بعد 9 كانون الثاني 2025.

نحن ندعو – على خلفية علمية بحثية وطنية وقبل أن ندفع مجدّدا أثمانا باهظة – الى أن يفهم الجميع هواجس الجميع بعيدا عن فوائض القوة والسلطة والمال والتبعية والاستقواء والتعصب والاستضعاف والاستكبار والانكار، وبعيدا عن مفردات الغبن والاحباط والذمية والانكسار والفدرلة وهندسة الشعوب في خرائط جديدة مزلزلة، ندعو الى انصهار فوري في فكر الدولة والمواطنة والإنسانية والسلام. ولنعلم أنه إذا لم نأخذ هذا الواقع بعين الاعتبار سنواجه تصدّعات أمنية خطيرة نراها تلوح واضحة في الأفق.

ونصل الى خلاصة موجزة مفادها أن حكام لبنان الذين لم تكن لديهم الإرادة السياسية لوضع وتنفيذ استراتيجية الأمن القومي تسبّبوا في انهيار الدولة والاستقلال. وطالما أن حكام اليوم هم ذاتهم حكام الأمس فيجب علينا البدء بعملية التغيير البنيوي فورا وفق توصيات «المؤتمر الدولي 2021 حول لبنان» و«ميثاق الاعتدال لبناء الدولة»، وإلّا سنكون أمام واقع محو الدولة وشتات الشعب وتحلّل الكيان الى «فديراليات أمر واقع» في خرائط جديدة قد تتداخل مع الاقليم.

ولذلك: وضعنا خطة التغيير البنيوي الموضوعي للعشر سنوات القادمة من أجل بناء الدولة، خطة عشرية علمية واقعية صالحة للتنفيذ تعمل بالتراكم على ثمانية محاور أساسية، خطة تعمل على بناء الهوية والمواطنة على أسس بحثية استراتيجية، خطة تعالج هواجس كل اللبنانيين وبنيتهم التعددية تحت مظلة «الدستور – الطائف» والانتماء العربي للبنان، خطة وضعها باحثون متخصصون لأهداف وطنية وليس لأهداف سلطوية، خطة تحتاج الى وحدة لبنانية وصبر طويل وتضحيات كبيرة، والى مناصرين داعمين في الوطن والاغتراب.

باختصار: «استراتيجية الأمن القومي اللبناني» هي الإنذار الأخير من أجل بناء الدولة وإنقاذ لبنان.

* رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والاعلام. أستاذ جامعي

عميد ركن سابق