أعلن لبنان استقلاله عندما تخلص من الانتداب الفرنسي، أي عندما تحرر من سلطة أجنبية كانت تديره وتسيطر على قراره، وقرر اللبنانيون في ذاك الوقت أن يتجهوا لبناء دولة كما توافقوا عليها رغم كل الخلافات الجوهرية التي كانت تسود في ما بينهم، فمنهم من كان فعلاً يريد الاستقلال التام، ومنهم من كان يريد الاستقلال عن فرنسا ليلتحق بسوريا، ومنهم من كان لا يريد الاستقلال عن الفرنسيين.
في الحقيقة فشل هذا الخليط اللبناني في الحفاظ على الاستقلال وتعزيزه وتجذيره، كما فشل في بناء دولة واستمر الصراع أولاً على التبعية للغرب ام للشرق ولم تعرف الإدارة اللبنانية كيف تحيد لبنان عن صراعات المنطقة من حلف بغداد الى جمال عبد الناصر الى تغلب الولاء الفلسطيني لدى البعض على الولاء اللبناني، واتهم هؤلاء الفريق الآخر بالعمالة للإسرائيليين والغرب ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية رغم السعي لجعل لبنان الوطن البديل، فكان أن انفجر لبنان وتم تقويض الركن الأول لدولة سيدة مستقلة حرة تملك قرارها وهو الجيش اللبناني.
لم يحقق اتفاق الطائف أيضاً بناء الدولة واستعادة الاستقلال، فوضع لبنان تحت وصاية سورية وجدت من يرفع لواءها قبل الولاء للبنان، فاستخدمت في السيطرة على القرار واضطهاد فئات من اللبنانيين وتأمين مصالح شخصية وفردية وتعزيز سياسات الفساد والنهب والرشوة.
تضافرت ظروف عديدة وأنهت هذه الوصاية، ولكن المشكلة أن لبنانيين رفضوا ويرفضون التخلي عنها لا بل استجلبوا وصايات جديدة كالوصاية السورية الإيرانية، واتهموا فريقاً آخر بمحاولة فرض وصاية أميركية عربية.
خرجت الوصاية السورية من لبنان على وقع هتافات شكراً سوريا وإلى اللقاء، ولم يحسن من عملوا لتحقيق الاستقلال الثاني على إنجازه في شكل كلي وثابت، بل ضاع هؤلاء بين الخوف من القتل والفتنة وعنوان الوحدة الوطنية المزيف وتحول بعضهم من سياديين يرفعون شعار “سيادة حرية استقلال” إلى ذميين لدى سلطات الوصاية الجديدة فأمعنوا سوية في استكمال كل ما كانوا يتهمون به الموالين للوصاية السورية السابقة، فاستكملوا تدمير الاقتصاد وعطلوا المؤسسات الدستورية وبرعوا في الإمعان بالفراغ في رئاسة الجمهورية والحكومة، وأنهوا أي إمكانية كي تتخذ الدولة قراراً حراً إنطلاقاً من المصلحة اللبنانية فقضوا على علاقات لبنان مع الدول العربية والدول الصديقة التي تستطيع مساعدتنا ويواصلون السعي اليوم لعزل لبنان أكثر فأكثر وربطه بمحور واحد والتصميم على إنهاء علاقته بالولايات المتحدة الأميركية مهما كلف الثمن ولا سيما في ما خص دعم الجيش من أجل تقويضه والقضاء على أي أمل بدولة فعلية واستقلال فعلي لدى اللبنانيين.
استقلال لبنان لن يأتي إلا من خلال الحياد الفعلي، والحياد هو الوسيلة الوحيدة التي ستمكننا من بناء دولة فعلية.