Site icon IMLebanon

تورُّط لبنان في الإنقلاب التركي !

لا يهمّ إذا كان يحمل في يده مفكّ براغي أو شاكوش أو خِرّ بِرّ أو خروفاً جاهزاً للذبح أو بطيخة في الحقل، فاللبناني لا يحتاج سوى إلى حدث سياسي مُستجدّ في أيّ بقعة من العالم حتى يرمي كلّ ما في يده وينسى وظيفته، ويتحوّل بسحر ساحر إلى محلّل سياسي بارز لا ينقصه سوى إعطاء رقمه إلى بسام أبو زيد حتى يصبح محترفاً وشخصية عامة.

مش معقول، كلّ لبناني تمشّى بساحة «تقسيم» أو أكل حلقوم وبقلاوة في اسطنبول، طرش صفحاته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بألوان العلم التركي وطرّزها بقومية عثمانية والتقطَ «سيلفي» بالطربوش الأحمر، وصَرلو يومين يمتهن الاجتهاد والتحليل والتحريم في السياسات التركية الداخلية والخارجية وفي خلفيات ونتائج الإنقلاب يَلّي الأتراك بعد ما عِرفو شو صار فيه أصلاً.

الإنقلاب التركي كشف حقيقة كلّ لبناني بحسب إنتمائه الطائفي والسياسي، وبرهَن أننا شعب لا يهتمّ بديموقراطيات ولا حقوق إنسان ولا شرعة أمم… بل نحن مسيّسون بطريقة عمياء وبعاطفة تمنعنا من التفريق بين الحدث والحادث والحديث، وتدفعنا لأن نَدحَش مناخيرنا ليس فقط في الإنقلاب العسكري وخطوات أردوغان التكتيكية، بل في ماركة المايونيز التي تمّ استخدامها لدهن سندويشات الأتراك الذين كانوا متواجدين في الساحات للتصدّي للإنقلاب.

والذي تابع مواقع التواصل الإجتماعي قبل الإنقلاب وبعده، يستطيع بكلّ سهولة أن يحيل نصف الشعب اللبناني إلى دير الصليب بسبب المستويات المرتفعة من إصابات الإنفصام بالشخصية والمزاجية المفرطة (Bipolar)، والانتقال من ضفة إلى أخرى مع حركة التمرّد العسكري.

فبين منتصف ليل الجمعة وصباح السبت غَيّر كثيرون معسكراتهم، والذين كانوا قد اشتروا مفرقعات وبقلاوة لتوزيعها احتفالاً بالنجاح، حاولوا جاهدين إعادة البضاعة إلى المحلّات، لكنّ الأخيرة رفضت بسبب سياسة «البضاعة التي تباع لا تبدل ولا تردّ»… بخلاف قناعات البعض التي يسهل بيعها وشراؤها وإعادتها، لأنّو ما في مخّ تَا يسأل أو يلِمّ ورقِة كلينكِس من شوارع بلده قبل إطاحة أنظمة غيره.

الغربيون يبدون رأيهم، يعلّقون، يتحمّسون إلى درجة التلييك أو التشيير والرتويت، ويرغمون أنفسهم على ممارسة أكبر قدر من ضبط النفس والموضوعية… لكنّ اللبناني بيرخِيَا عالآخر، ولا يكتفي بإبداء رأيه أو تحليل الموقف وتوقّع المستقبل، بل يسترسل في تدخلاته إلى حدّ منح نفسه دوراً في الانقلاب وبَرهَنة أنّ خطّه السياسي له اليد الطولى في كلّ ما يحدث، أو حتى كتابة وصفات جديدة لخلطة الطاووق التركي ومدّة إبقائه فوق الفحم في مرحلة ما بعد الإنقلاب، وبيصير بَدو يقطَع تيكيت على تركيا للمشاركة في كتابة دستور البلاد الجديد.

لا تربطنا بتركيا لا عروبة ولا لغة ولا قومية، وكلّ ما يربطنا بها مئات السنوات من الاحتلال والذلّ والخضوع، فعلام هذه الحماسة المفرطة في دعم الإنقلاب التركي أو معارضته؟ وأين نحن من الإنقلاب على أنفسنا حتى يصبح لدينا وطن ندافع عن كيانه وديمومته كما دافع الأتراك بأجسادهم وأصواتهم وأرواحهم عن دولتهم؟