Site icon IMLebanon

حدود لبنان البرية والبحرية مع إسرائيل وسوريا

 

تمثِّل إشكاليّة الحدود بين لبنان وجيرانه الثلاثة: إسرائيل وسوريا وقبرص موضوعاً شديد الأهميّة والخطورة في المرحلة الراهنة. إنّه موضوع قديم يتجدّد باستمرار كلّما كان هناك تحوّل في المعطيات الإقليمية والدولية المتعلّقة بموضوعات الشرق الأدنى ولا سيّما الحروب الإسرائيلية- العربية حيث يطرح موضوع الحدود على بساط البحث. ولعلّ اللافت والخطير في هذه المرحلة هو تصريحات وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب الذي قال في تصريح تلفزيوني يوم الإثنين الماضي (29/1/2024) بضرورة «تطبيق قرار مجلس الأمن (1701) وترسيم الحدود مع إسرائيل»، وأكدّ مرة ثانية «يجب أن تتوقّف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان ثم البدء بترسيم الحدود».

 

لقد جرى تقطيع العالم إلى حيّزات جغرافية ذات مساحات مختلفة وذات حدود سياسية تفصل بين دولة وأخرى. ومع ذلك، ظلّت مسألة الحدود من أكثر المشاكل في العلاقات الدولية وهي لا تزال إلى اليوم سبباً لاندلاع الحروب بين الدول بفعل المطامع والمطامح لدى بعض الدول التي تسعى عادة لفرض نفوذها وربّما وجودها على دول أخرى قريبة منها. فالدولة في تعريفها هي «سلطة سيّدة تمارس على شعب أو إقليم معيّنين». إذاً لكلّ إقليم، لكلّ حيّز جغرافي، ومنه لبنان حدوده المعيّنة التي تفصله عن أقاليم الدول الأخرى المحيطة به. لكنّ الكيانات السياسية، وبالتالي حدودها لا تنزل على البقعة الجغرافية «وقد لبست ثوبها الكامل»، بل يقوم جدل حول شرعيتها أي شرعية الكيان الدولاتي وشرعية حدوده. وهنا تطرح إشكاليات حدود الدولة.

 

لحدود الدولة أهمية بارزة كونها الإطار الذي يغلّف جسم الدولة ويقيها من مخاطر الخارج. كما أنها من جهة ثانية تعكس حضارة الشعوب وحيويّتها. أكثر من ذلك فإنّ للحدود قديماً وحديثاً بعداً مقدّساً إما توقاً للوصول إليها بالشهادة، وإما دفاعاً عنها حتى الشهادة. ولعلّ أهمّ ما في مضمون الحدود أنه عندها تبدأ سيادة الدولة صاحبة الإقليم وتنتهي سيادة غيرها. ووراءها تنتهي سيادتها وتبدأ سيادة غيرها. وهكذا يصبح الاعتراف بالحدود المرسّمة للدولة اعترافاً بسيادتها وبالتالي لا سيادة لدولة من دون ترسيم حدودها. فإذا رفضت دول الجوار الاعتراف بترسيم حدود دولة مجاورة فهذا يعني أنها لا تعترف بسيادة هذه الدولة. ويذهب الباحث جون غوتمان في كتابه سياسة الدول وجغرافيتها «إلى اعتبار حدود الدولة جبهة تماس مع جيرانها والعالم ولذا فهي ذات طابع جغرافي وعسكري وسياسي وقانوني واقتصادي»، لذا تقام فوقها قلاع وتحصينات وربما حيطان عالية كما تفعل إسرائيل.

 

يؤكد عالم الجغرافيا السياسية فريدريتش راتزل أنّ الحدود هي المصدر الأساسي لقوة الدولة، فإن لم تصبح مرسّمة ونهائية تنتقل وظيفة الحدود إلى عكسها أي إلى نقطة ضعف للدولة بدل أن تكون نقطة قوة لها، وخاصة إذا كانت الدولة ذات مساحة ضيقة شأن لبنان. إذ إنّ نسبة مساحته على طول حدوده تساوي 10452 ÷ 679 = 15,4 وهي واحدة من أدنى النسب، بحيث تجعل كيان الدولة أكثر عطوبيّةً. وهكذا، فإنّ الحدود تفصل بين دولتين وتفصل بين سيادتين وتفرّق بين انتماءين وهويّتين لشعبين وتحضن ثروات الأمّة وتحدّد نوعية جار الدولة. شقيق هو أم صديق أم خصم أم عدو.

 

أهميّة ترسيم الحدود

 

إنّ ترسيم الحدود هو من أهم مراحل وضع الحدود الدولية. ولكن الوصول إليه يمرّ بتعريف الحدود أولاً من مكان كذا إلى مكان كذا، من الناقورة إلى الحمّة بين لبنان وفلسطين. ومن ثم يتمّ تعيين الحدود أي وضعها على خريطة جغرافية على يد اختصاصيين برسم الخرائط وتأتي بعد ذلك المرحلة الأهم وهي ترسيم الحدود أي تثبيتها نهائياً على الأرض بوضع علامات مرقّمة من الباطون المسلح أو ما يشابه ذلك. وكل حدود غير مثبتة على الأرض لا يمكن قبولها كحدود نهائية. تأتي بعد الترسيم مرحلة التثبيت بواسطة لجان المساحة والشرعنة بإبلاغها إلى المراجع الدولية: هيئة الأمم والجامعة العربية.

 

بالنسبة إلى لبنان فإنّ حدودنا مع فلسطين مرسّمة منذ العام 1923 بواسطة لجنة بوليه – نيوكومب الفرنسية البريطانية كونهما منتدبتين على لبنان وفلسطين بعد الحرب العالمية الأولى. وقد تمّت الموافقة عليها من جانب عصبة الأمم 1934 وطولها 78 كلم على أن يكون معيار الترسيم على طول كيلومترين بحيث يكون عدد الإشارات 78 ÷2 = 39 ومن هنا فإن نقطة الحمّة على تقاطع خريطة لبنان وسوريا وفلسطين تحمل الرقم 39.

 

أما حدودنا مع سوريا فقسم منها مرسّم بين عين القبو (مستوى عرسال) وبير جبيب (مستوى بعلبك) منذ العام 1935 وطولها نحو 40 كلم. والقسم الشمالي مرسّم طبيعياً على النهر الكبير الجنوبي وهي في حدود 50 كلم ما يعني أنّ 90 كيلومتراً مع سوريا مرسّمة من أصل 376 كيلومتراً ويبقى ما يقارب 286 كيلومتراً غير مرسّمة وترفض سوريا العمل على ترسيمها بما جعل العالم الفرنسي ميشيل فوشي يقول إن ذلك يعني «أن سوريا لا تعترف باستقلال لبنان».

 

في الخلاصة نعود إلى البداية إلى تصريح وزير الخارجية اللبناني حول ترسيم الحدود بيننا وبين إسرائيل لنؤكد أنّ هذا التعبير فيه خطأ استراتيجي جسيم ضد المصلحة اللبنانية. ذلك أنّ هذا الترسيم قد حصل عام 1923 ولا يمكن لمسؤول لبناني طرح موضوع ترسيم الحدود بل استعادة الوثائق التي تحوي مثل هذا الترسيم وفيها ثلاثة مراجع: واحد في وزارة الخارجية الفرنسية. وواحد في وزارة الخارجية البريطانية. وثالث في وثائق عصبة الأمم في نيويورك. فنحن لا نريد، كما لا نقبل بزيادة أو إنقاص سنتيمتر لنا أو علينا. نريد الحقيقة كما هي مثبتة في الوثائق الدولية منذ عشرات السنين وهذا ما يجدر بالمسؤولين اللبنانيين أن يطالبوا به رداً على إسرائيل وعلى تبيان وتعيين الحدود بين البلدين!