يعتقد البعض أنّ الأعمال في قطاع التنقيب عن الغاز والنفط متوقّفة عند الحدود الجنوبية اللبنانية، بفعل الحرب الدائرة في غزّة وفي جنوب لبنان، غير أنّ ما يُفاجىء هو أنّ العدو يستمر في تلزيم بلوكاته البحرية رغم كلّ شيء. وبالنسبة للبنان فقد انتهت المهلة التي يجب خلالها أن يعطي كونسورتيوم الشركات ردّه النهائي حول تلزيم البلوكين 8 و10 في 16 شباط الجاري، وجاء ردّه سلبياً. وسبق للتحالف المكوّن من “توتال إنرجي” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”قطر للطاقة”، أن تقدّم بطلبَي اشتراك للمزايدة على الرقعتين 8 و10، قبل انتهاء مهلة دورة التراخيص الثانية في 2 تشرين الأول الماضي. وجرت دراسة هذين الطلبين ووضع لبنان عرضاً مقابل شروط معيّنة، رفضها الكونسورتيوم ولم يوقّع عليه، الأمر الذي يُتيح للبنان إعادة عرض البلوكين المذكورين، فضلاً عن البلوك 4 الذي أعاده الكونسورتيوم الى الدولة اللبنانية في تشرين الأول الماضي، للتلزيم في دورة التراخيص الثالثة.
مصادر سياسية مطّلعة على قطاع الغاز والنفط تحدّثت عن أنّ لبنان يُحاول استكمال التحضيرات للعمل في بلوكاته البحرية، ولهذا قرّر إطلاق دورة التراخيص الثالثة لإبقاء لبنان على خريطة الشركات النفطية العالمية، سيما وأنّ تقديم الطلبات من قبلها يتطلّب وقتاً قبل فضّ العروض ودراستها. وإذا كان العمل قد توقّف في البلوك 9 لعدم اكتشاف مكمن تجاري من قبل “توتال إنرجي” ، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّه ليس هناك غاز أو نفط في حقل قانا أو في البلوك 9 ككلّ، سيما أنّ هناك اكتشافات للغاز بكميات كبيرة في الجهة المقابلة لهذا البلوك، الأمر الذي قد يشجّع الشركات على الإهتمام بالتنقيب في آبار أخرى فيه.
وفي ما يتعلّق بالمناقصة للقيام بمسح ثلاثي الأبعاد للبلوكات البحرية اللبنانية التي فازت بها شركة بريطانية- مصرية في تشرين الأول الماضي، أوضحت المصادر بأنّ هذه الرخصة التي منحها وزير الطاقة وليد فيّاض بناء على توصية هيئة إدارة قطاع النفط، هي رخصة إستطلاع لمسح ثلاثي الأبعاد للبلوك 8، كونه البلوك الوحيد بين البلوكات البحرية الذي لم تُجرَ له أي مسوحات زلزالية ثلاثية الأبعاد، رغم الحديث عن أنّه بلوك واعِد… ولأنّ العدو الإسرائيلي قام بتلزيم البلوكات المتاخمة للبلوك 8 في الجهة المقابلة، على ما أكّدت المصادر نفسها، فبات من الضروري ومن أولويات لبنان القيام بهذا المسح لمعرفة قدرة هذا البلوك، وإذا كان يحتوي على مكامن تجارية.
وأوضحت المصادر أنّه بعد تلزيم هذه الشركة رخصة الاستطلاع للقيام بهذا المسح الزلزالي، كان من المفترض أن يبدأ العمل في كانون الأول المنصرم. ولكن يُنتظر جمع التمويل لهذا العمل من جهة، ووقف الحرب من جهة ثانية، سيما أنّ حركة البواخر والأساطيل الموجودة في المياه، والتشنجات والأعمال العسكرية في المنطقة وعند الحدود الجنوبية، فضلاً عن كلفة التأمين التي باتت مرتفعة جدّاً لبدء الأعمال، قد أخّرت بدء المسح فيه. فالشركة لن تأتي وسط كلّ ما يجري لإجراء المسح الذي يتطلّب على الأقلّ ثلاثة أشهر في مياه تشهد سخونة أمنية. ومن هنا، يمكن القول انّ الوضع الأمني المتوتّر قد أثّر سلباً في البدء بهذه الأعمال، وتأخيرها بالتالي الى أجل غير مسمّى، والى حين عودة الأمن الى الحدود والمنطقة.
وفي ما يتعلّق بالبلوك 4 البعيد نسبياً عن الحدود المتوتّرة، والذي أعاده الكونسورتيوم الى الدولة اللبنانية، ذكرت المصادر أنّه سيتمّ تلزيمه الى شركة أخرى، إذا تقدّمت شركات نفطية جديدة للاستكشاف والتنقيب في البلوكات البحرية المتبقية. وتكمن أهمية ما قامت به شركة “توتال إنرجي” منذ مجيئها الى لبنان، في تتبع الطبقات الجيولوجية التي أعطت إنتاجات ومكتشفات في مياه فلسطين المحتلّة، سيما أنّ مخاطر الاستثمار فيها أقلّ من سواها. وعندما وجدت أنّ هذه الطبقات ليست ممتدة الى البلوك 4، لم تعد مهتمة بالتنقيب فيه. إلّا أنّ هذا لا يعني أنّه ليس هناك أماكن جيولوجية أخرى في نظام نفطي مختلف عن الذي اعتمدته “توتال” يجب البحث فيها.
وما يمكن أن يشجّع الشركات على الاستكشاف في البلوك 4، بحسب رأي المصادر، هو أنّ البرّ اللبناني يُعتبر واعداً، والبلوك 4 قريب من البرّ، وثمّة تشابك بين البرّ والبحر، ما يعني أنّ احتمال وجود نفط سائل في هذا البلوك مرتفع جدّاً. مع ضرورة التذكير بأنّ شركات نفطية عديدة قد حاولت التنقيب في آبار عديدة في بلوك مصري واحد، إلّا أنّ واحدة منها فقط استطاعت اكتشاف أكبر مكمن تجاري في الشرق الأوسط. لهذا لا يُفترض أن يفقد لبنان الأمل إذا جرى التنقيب في بئر واحدة في البلوك 4، كما في البلوك 9، لأنّ هذا الأمر لا ينفي وجود الغاز والنفط فيهما بشكل عام.
وفي ما يتعلّق بدورة التراخيص الثالثة التي قرّر مجلس الوزراء إطلاقها، أشارت المصادر عينها الى أنّها تشمل جميع البلوكات البحرية التي ليس لأي شركة نفطية أي حقّ حصري فيها. وهذا يعني البلوكات 1 و2 و3 و4 و5 و 6 و 7 وربّما 8 و 10، لا سيما مع عدم توقيع “توتال” المشغّل للكونسورتيوم على عقدَي إكتشاف واستخراج الغاز في هذين البلوكين. الأمر الذي جعل تلزيم البلوكين 8 و10 قد سقط مع انقضاء المهلة في 16 شباط الجاري، إلا إذا قرر مجلس الوزراء بناءً على إقتراح من وزارة الطاقة، تمديد المهلة لشركة “توتال”. أمّا الخلاف فتمثّل في رفض “توتال” تقليص مهلة المسوحات في البلوك 8 والحفر في البلوك 10. وتريد “توتال” استمرار هذه العملية حتى العام 2027، وقد طالب لبنان بإنجاز البتّ في هذه العملية في مهلة أقصاها سنة ونصف السنة.
وعن إمكانية نجاح لبنان هذه المرّة في استقطاب شركات نفطية أخرى للاستثمار في بلوكاته، مع وجود صفر إستكشاف حتى الآن، ووسط منطقة ساخنة ومتوتّرة أمنياً، رأت المصادر أنّ هذين الأمرين يؤخذان في الاعتبار، لكن أيا منهما ليس دائماً. فالحرب في لبنان والمنطقة ستنتهي، كذلك فإنّ أي إكتشاف في بئر جديدة في أي من بلوكاته البحرية، من شأنه تشجيع الشركات على تقديم طلبات الاشتراك في عروض المزايدة. ولهذا أطلقت دورة التراخيص الثالثة، إذ لا يمكن إقفال باب هذا القطاع بعد أن جرى فتحه بصعوبة، سيما أنّه القطاع الوحيد الواعِد في لبنان والذي يمكن أن ينقذه من ديونه في المرحلة المقبلة، ولأنّ وقفه يصبّ في مصلحة العدو الإسرائيلي الذي يواصل العمل في بلوكات فلسطين المحتلّة.