مع كل مشروع اميركي كان يطرح في المنطقة ولها، كان لبنان يتأثر به، ويستخدم كساحة لتمريره، او للتغطية عليه، او جذبه نحوه ليكون في المحور الذي يؤيده.
ولقد شهد لبنان مع المشاريع الاميركية، انقساما سياسيا حولها، وكان يؤدي ذلك الى اقتتال وحروب داخلية وفق توصيف ديبلوماسي سابق، وهذا ما حصل مع مشروع الرئىس الاميركي دوايت ايزنهاور لمحاربة الشيوعية في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، واقام محوراً «حوله سمي بـ «حلف بغداد» قابله صعود المشروع القومي الوحدوي للرئىس المصري جمال عبد الناصرو الذي اقام الوحدة بين مصر وسوريا، فانعكست صراعا سياسيا وعسكريا في لبنان، في العام 1958 ثم حضر المشروع الاميركي للسلام بعد حرب حزيران 1967 وهزيمة الانظمة العربية فيها، فكان مشروع آلون لإقامة وطن بديل في الاردن، وتوطين الفلسطينيين في اماكن اقامتهم ومنها لبنان الذي تحول قاعدة للكفاح المسلح الفلسطيني الذي جاءه وزير الخارجية الاميركي هنري كيسنجر بمشروعه بعد حرب تشرين 1973 التي حقق فيها الجيشان المصري والسوري انجازات ميدانية، لكن الرئىس المصري انور السادات انفرد بتوقيع اتفاق الكلم 101، وهو ما ادى الى تفكك الجبهة العربية، فرأى كيسنجر في لبنان ساحة لتوطين الفلسطينيين المقيمين فيه فانقسم اللبنانيون حول كيفية التصدي لهذا المشروع، وتداخلت عدة عوامل لمنع توحيد الموقف اللبناني يقول الديبلوماسي بين رافض للوجود المسلح الفلسطيني وبين مؤيد له كطريق لتحرير فلسطين، مع تشابك ذلك بمطالب داخلية كمشاركة الملمين الفعلية في السلطة.
لقد دفع لبنان ثمنا لمشروعي ايزنوهاور وكيسنجر الاميركيين، حروبا اهلية كانت اطولها ما بين 1975 – 1990 التي دخلت عليها الحرب الباردة بين اميركا والاتحاد السوفياتي الى الصراع الفلسطيني الداخلي على القرار السياسي ومواقف منظمة التحرير التي كانت تتجه نحو القبول بالتسوية للمسألة الفلسطينية، وانفراد رئىسها ياسر عرفات بالقرار تحت مسمى «القرار الوطني المستقل» فاصطدم بالنظام السوري على ارض لبنان يقول الديبلوماسي فحصل اجتياحان للبنان عامي 1978 و1982 ووصلت قوات الاحتلال الاسرائىلي الى بيروت مع طرح الرئيس الاميركي دونالد ريغان مشروعه للسلام في العام 1981 بعد زيارة السادات الى القدس وتوقيع اتفاق «كامب دايفيد» فكان لبنان ساحة حروب الاخرين على ارضه التي وطأتها القوات المتعددة الجنسيات الاميركية والفرنسية والايطالية، ونشأت المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الاسرائىلي، ثم الاسلامية ليندحر الاحتلال الاسرائىلي عام 2000.
هذا العرض للمشاريع الاميركية في المنطقة الذي يقدمه الديبلوماسي كان في رأس اولوياتها ضمان امن «اسرائىل» وتكريس وجودها وكان اخر ما اصاب لبنان منها هو مشروع «الشرق الاوسط الكبير» للرئىس الاميركي جورج بوش الابن الذي اراد تنفيذه بـ «الفوضى الخلاقة» فكان لبنان من الساحات التي اشعل فيها ثورة سميت بـ «الارز» تطالب بالانسحاب السوري، وقد تم التمهيد لها باغتيال الرئىس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 مع بدء ما سمي «الثورات الملونة» لنشر «الديموقراطية» الا ان حصة لبنان ودوره في هذا المشروع كان نزع سلاح المقاومة بالقرار 1559 الصادر في مطلع ايلول 2004 عن الامم المتحدة او عبر الحرب التي شنتها اسرائىل صيف 2006، دون ان تحقق اهدافها بتدمير صواريخ المقاومة وتصفية قيادتها.
ومع الاعلان عن «صفقة القرن» وفتح باب الاقتصاد لتحقيقها، فإن لبنان تنبه لها، وتوحد سياسياً ضدها، لانها تحوي على تصفية المسألة الفلسطينية ومنع حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتوطينهم حيث يقيمون في الدول المضيفة لهم، ولبنان منها، الذي رفض المشاركة في مؤتمر البحرين، وصدرت عن المسؤلين فيه، مواقف رافضة لما تتضمنه الصفقة، وفق الديبلوماسي الذي يشير الى توحد القوى السياسية على مختلف اتجاهاتها، بوجه الصفقة، واعلن رئيس الحكومة سعد الحريري، موقفاً في مجلس النواب، برفض المشروع الاميركي، وهو عبر عن الحكومة التي ينطق باسمها، وسبقه الى ذلك الرئيس نبيه بري، الذي حذر من بيع فلسطين مجدداً، كما ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي اقسم اليمين على الدستور، فإنه اعلن رفض التوطين، الذي ورد في مقدمة الدستور.
ولقد كان لمجموعتي العمل اللبنانية والفلسطينية وهي اطار عمل رسمي مشترك بين الطرفين موقف موحد في بيان صدر عنها، بعد اجتماع في السراي الحكومي بدعوة من رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني الوزير السابق الدكتور حسن منيمنة، وصدر بيان مشترك عن الاجتماع اكد على مخاطر «صفقة القرن» و«التوطين»، اذ دعت المجموعتان الى «رفض مندرجات ما اصطلح على تسميته بصفقة القرن، واعتبار كل ما يترتب عليها لاغياً وباطلاً وكأنه لم يكن، ورفض التعاطي معها ومع مترتباتها كافة بما فيها ورشة العمل في البحرين».
وما ورد في البيان، يعبر عن موقف لبنان الرسمي يقول الديبلوماسي لان اللجنة تابعة لرئاسة الحكومة، وهذا تأكيد على ان المشروع الاميركي، مات قبل ان يولد، كما وصفه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ونظرت قوى في محور المقاومة، على انه متميز، ويوحد لبنان على قضية خطيرة، وهو ما يمنع تسلل المؤامرة اليه، وكذلك، كان موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي لا يخطئ في موضوع فلسطين، فرفض «صفقة القرن» مما يعزز من التعاضد اللبناني ضدها، ويقفل الساحة اللبنانية، امام المشروع الاميركي، الذي لن يتمكن من ان يمرر صفقته من ساحة لبنان، باختراقها واشعال حرب او فتنة فيها، كما حصل مع مشاريع اميركية اخرى.