IMLebanon

بين “مار متر” و”النوروز” و”ذكرى الحركة التصحيحية” هل تتعطّل الانتخابات الرئاسية؟

 

أعياد لبنان الرسمية كسل يشلّ البلد

 

«هل 13 تشرين الأول عيد رسمي؟ مش على علمي… أنا التزم فقط بالأعياد الرسمية…»، هكذا ردّ الرئيس بري على من طالبه بتأجيل جلسة 13 تشرين لإنتخاب رئيس للجمهورية التي قاطعها نواب «التيار الوطني الحر» احتراماً لمناسبة تعني لهم ما تعنيه… وقبلها تمت المطالبة بتأجيل جلسة 14 أيلول التي تزامنت مع ذكرى غالية على قلوب الكثير من اللبنانيين والكتائبيين. الرئيس بري لا يعترف إلا بـ21 عيداً رسمياً لبنانياً ويسقط من حساباته النيابية كل ذكرى أو عيد أو مناسبة لا يسطرها مجلس الوزراء عطلة رسمية.

معه حق الرئيس بري، ففي روزنامة اللبنانيين الكثير الكثير من الأعياد والأذكار والتواريخ المميزة التي تتوزع على كل الطوائف والملل الى جانب الأعياد الرسمية. فماذا لو تصادفت الدعوة الى انتخاب رئيس مع أحد هذه التواريخ؟

 

مناسبات بالجملة

 

ماذا لو قاطع النواب الروم الارثوذكس جلسة مقبلة لأنها تترافق مع عيد «مار متر» الواقع في 26 من تشرين الأول أو أرادوا اتباع التقويم الشرقي والاحتفال به ايضاً في الثامن من تشرين الثاني؟ أليس مار متر عزيزاً على قلب الروم؟؟؟ وماذا لو تشبه بهم النواب الشيعة واعتكفوا عن حضور الجلسة إذا ترافقت مع «عيد الغدير»، وهو من الأعياد التي لم تصبح رسمية بعد لكن الضاحية بكامل ناسها وأحيائها تحتفل به وتقفل من أجله أبوابها كما لو كان عيداً رسمياً بالضبط؟ أو لو ترافقت الجلسة مع مناسبة «أربعين الحسين» التي تقارب في أهميتها ذكرى عاشوراء عند الشيعة، ألا يحق لهم حينها مقاطعة الجلسة؟ أو تشاركت كل طوائف الوطن في استعادة مجد «عيد جميع القديسين» واحتفلت كلّ منها بقديسيها، وجعلته يوم عطلة رغم أنف الحكومة وقرارها بإلغائه؟

 

وإذا قررت الطائفة الدرزية الكريمة في لبنان التضامن مع الطائفة الدرزية في فلسطين المحتلة والاحتفال بعيد «النبي شعيب» في الخامس والعشرين من نيسان، أو عيد «سيدنا الخضر» في الخامس والعشرين من كانون الثاني، ألا يحق لها حينها المطالبة بتأجيل الجلسة؟

 

وهل الطوائف الأرمنية في لبنان أقل شأناً من الطوائف الأخرى. أليس من حق الأرمن الاحتفال بعيد «القديس وارطان» في الخميس الأول من شهر شباط وإقفال كل المتاجر والأسواق الأرمنية، بدءاً من برج حمود والزلقا وانطلياس مروراً بعنجر وزقاق البلاط ووصولاً الى ساحة النجمة؟ كذلك ألا تستحق ذكرى المجازر الأرمنية في الرابع والعشرين من نيسان من أبنائها ونوابها تخصيص اليوم للتذكر والصلاة وعدم حضور أية جلسة نيابية ولو دُعُوا إليها لانتخاب الرئيس العتيد؟ ألا يجب كذلك احترام الأعياد الدينية لكل الأقليات في لبنان من سريان وكلدان واشوريين وعلويين وبهائيين وحتى يهود ما داموا يعيشون على أرض لبنان ويحملون هويته؟

 

ماذا يحل بجلسة الانتخاب لو تجمع أكراد لبنان في اليوم الأول من فصل الربيع للاحتفال بعيد النوروز وأقاموا حلقات الرقص والغناء ومنابر الخطب في ساحة النجمة أمام البرلمان؟ هل يستطيع حينها نواب الأمة تجاوزهم والوصول الى قبة البرلمان؟

 

وإذا تجمع أبناء الجاليات القبطية والروسية والأوكرانية ومعهـم أرثوذكس إثيوبيـــا في لبنان للاحتفال بعيد الميلاد في السابع من كانون الثاني وأقاموا الصلوات في كنيسة القديس جاورجيـوس للروم الأرثوذكس مثلاً القريبة من المجلس، هل تتابع جلسة الانتخاب مسارها أم يطغى صوت الترانيم على الأصوات التي تنادي بأسماء النواب؟

 

وإذا تجمع فلسطينيو المخيمات والمناطق لمناصرة إخوانهم في فلسطين المحتلة والضفة وغزة وانطلقوا في تظاهرة حاشدة يوم 15 تشرين الثاني ذكرى عيد الاستقلال الفلسطيني أو يوم الأول من كانون الثاني ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية؟ ألا يحق لقوى الممانعة يومها التضامن معهم والامتناع عن حضور أية مناسبة لبنانية ليست على صلة مباشرة بالحدث؟ والمبدأ ذاته ينسحب على السوريين القاطنين في لبنان، لاجئين، عمالاً او مجنسين إذا ما قرروا الاحتفال مع أهلهم في سوريا ورئيسهم بذكرى حرب تشرين أو عيد الجلاء أو ربما عيد الثورة وعيد الجيش وذكرى الحركة التصحيحية. ألا يجب حينها على أشقائهم اللبنانيين من باب حسن الضيافة والأخوة والشعب الواحد في بلدين أن يتضامنوا مع كل هذه التواريخ وينبذوا أية جلسة يدعون إليها؟

 

وفي 14 شباط إن لم تصدر مذكرة رسمية تعتبره يوم عطلة هل من يجرؤ على دعوة النواب فيه الى عقد جلسة انتخاب للرئيس؟ ألا يصبح حقاً مشروعاً لمناصري تيار «المستقبل» بالتظاهر وقطع الطرقات الى المجلس أيضاً؟

 

وفي 14 شباط ذاته ألا يحق لزوجات النواب (أو أزواجهن) منعهم من حضور الجلسة إذا ما تم الإصرار على عقدها في هذا التاريخ، لأن السان فالنتان يستحق منهم وقفة رومنسية مع الشريك تفوق بحلاوتها كل الرؤساء.

 

وماذا عن محبي فرنسا الأم الحنون من بين نواب الأمة؟ ألن يتلكؤوا عن الحضور إذا ترافق موعد الجلسة مع موعد إطلاق الـ Beaujolais Nouveau الذي تقيم له فرنسا احتفالاً مهيباً في 17 من تشرين الثاني احتفاء بوصول باكورة النبيذ الجديد.

 

ولعلّ المناسبة الأكثر إيلاماً هي يوم 4 آب 2020. وثمة مشروع مرسوم يقضي باعتبار 4 آب يوم حداد وطنياً وقّعه رئيس حكومة تصريف الأعمال البروفسّور حسّان دياب بعد عشرة أشهر على الزلزال.

 

عيد وعيد مكرر

 

وبعد تطول وتطول لائحة الأعياد والأذكار والمناسبات الدينية والوطنية لشعوب لبنان وملله وطوائفه وضيوفه.

 

الأعياد الرسمية في لبنان بحسب رئاسة مجلس الوزراء تبلغ 19 عيداً تتوزع على 25 يوم عطلة يراعى فيها التوازن بين الطوائف المسيحية والمحمدية، وتنقسم على تسعة أعياد للطوائف المسيحية تمتد على تسعة أيام عطلة ويومي أحد وخمسة أعياد للمسلمين تتوزع على 9 أيام عطلة، إضافة الى عيد البشارة المشترك بين الطائفتين والذي استحدث مؤخراً. وتخصص الدولة اللبنانية للأعياد الوطنية أربعة أيام هي الاستقلال والعمل والتحرير وذكرى الرئيس رفيق الحريري، فيما عيد الشهداء الذي كان يحتفل به قديماً كيوم عطلة تمّ نقله الى الأحد الأول من شهر أيار. وتحدد العطل الرسمية بمرسوم يصدر عن رئاسة مجلس الوزراء لتحديد مواعيدها وعدد أيامها.

 

وسواء ارتفع عددها أم انخفض فإن أيام العطلة في لبنان تبلغ رقماً قياسياً إذا ما قورنت بالبلدان الأخرى. ففي فرنسا مثلاً يبلغ مجموع أيام العطل 12 عطلة رسمية عدا عطلتي الربيع والثلج المخصصتين للمدارس. أما في تونس فالعطل الرسمية لا تتخطى 15 يوماً وهذا ما يجعل لبنان يتبوأ المركز الثالث عالمياً في عدد أيام العطلة، وهنا يُطرح سؤال حول حاجة هذا البلد الصغير الى هذا العدد الكبير من أيام العطل؟ وسؤال آخر حول ما إذا كان التوافق المذهبي سبباً مقنعاً للكسل وضعف الانتاجية عند شعب لا يكاد يمر اسبوع فيه دون سبب لعطلة ما؟

 

ضرورية وشرعية

 

وكاد عدد العطل الرسمية في لبنان يثير أزمة طائفية بعد أن اقترح الرئيس السنيورة في العام 2007 إلغاء عطلة الجمعة العظيمة، ما أثار موجة من الغضب والاستنكار حينها و»يا غيرة الدين» من قبل بعض المزايدين. لكن الواقع أن تخفيف العطل الرسمية تم طرحه في وقت سابق إثر دراسة قامت بها لجنة وزارية في حكومة الرئيس الحريري كلفت بالموضوع عام 2003 ورفعت توصياتها الى رئاسة مجلس الوزراء. وقضت توصيات اللجنة بخفض عدد العطل من 21 الى 16 يوماً لتفعيل الاقتصاد وتحسين الانتاجية خاصة أن عدد ساعات العمل في القطاع العام كانت أقل بـ25% من باقي الدول. واقترحت اللجنة حينها إلغاء بعض الأعياد مثل عيد جميع القديسين واثنين الفصح عند كل من الطوائف الشرقية والغربية، وإلغاء عطلتي رأس السنة الهجرية وعيد المولد النبوي الشريف عند الطوائف الإسلامية وتقصير عطلة الفطر الى يومين. ولم يأت الطرح حينها على سيرة الجمعة العظيمة التي تعتبر من أهم الأعياد عند المسيحيين. لكن الحكومات المتعاقبة تريثت في إقرار هذه التعديلات نظراً لحساسية الموضوع بين الطوائف وضرورة أخذ رأي المرجعيات الدينية. ولم توافق حينها المراجع الإسلامية على إلغاء عطلة عيد المولد النبوي الشريف وعطلة رأس السنة الهجرية. لكن حكومة الرئيس السنيورة عادت وثبتت في ايلول 2005 طرح اللجنة الوزارية السابقة وخفضت عدد العطل الرسمية الى 16 يوماً ليعاد بعدها، وبشكل مفاجئ في العام 2007، إثارة موضوع عطلة الجمعة العظيمة بعد أن اقترح بعض «المحبين» على الرئيس السنيورة أن يعيد عطلة اثنين الفصح لينعم الناس بعطلة طويلة، فيما هم اصلاً يعملون نصف نهار يوم الجمعة ولهم كل الوقت ليشاركوا في صلاة جناز المسيح.

 

لكن العاصفة التي رافقت هذا الموضوع حدت بالسنيورة الى العودة عن طرحه. وصارت العطل تصدر بمراسيم سنوية عن رئاسة مجلس الوزراء ورسا الأمر في النهاية على زيادة في عدد أيامها، بعد أن أقر تثبيت عيد بشارة السيدة العذراء كعيد مشترك بين الطوائف وتلاه ذكرى اغتيال الرئيس الحريري وتثبيت عيد المقاومة والتحرير في 25 أيار. وبعدها تخصيص ثلاثة ايام عطلة لعيد الفطر بعد أن ظهر تباين في موعده لا بين السنة والشيعة فحسب بل داخل الطائفة الشيعية نفسها، بين مقلد للشيخ فضل الله ومقلد لآية الله السيستاني. في المحصلة وصل العدد النهائي الى 23 يوم عطلة مع يومي احد.

 

عطل تفاجئ كل زائر الى لبنان لا سيما إن كان قادماً من بلد يعتبر العمل الجاد قيمة عليا في سلّم قيمه… لكنها في بلد التوازنات الطائفية الهشة ضرورية وشرعية وأبدية…