Site icon IMLebanon

خيارات لبنان بمواضيع المقاومة والنزوح واللجوء والترسيم لن تتغير

 

يبدأ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو اليوم في 19 آذار الجاري زيارته الرسمية الى دول المنطقة أي لبنان وإسرائيل (الأراضي الفلسطينية المحتلّة) الكويت والتي تستمرّ حتى 23 آذار الجاري، وفي جعبته العناوين التي يسعى الرئيس الأميركي لتنفيذها في الشرق الأوسط منذ وصوله الى البيت الأبيض. وكان بومبيو قد زار دولاً أخرى في المنطقة الشهر الماضي، معلناً عن زيارته التالية لها (أي التي يقوم بها حالياً)، ومشيراً الى أنّه «هذه هي الديبلوماسية الأميركية». وقد شرحت أوساط ديبلوماسية عليمة موقفه هذا، بمتابعة الولايات المتحدة لمصالحها في دول العالم، ومن ضمنها الشرق الأوسط.

 

وذكرت مصادر سياسية أنّ بومبيو يأتي الى لبنان لتفجير الخلاف مجدّداً بين 8 و14 آذار داخلياً لا سيما فيما يتعلّق بسلاح المقاومة إذ سيُطالب بمحاصرة حزب الله وعدم تركه يتحكّم بالحياة السياسية والعسكرية في لبنان، بحسب وجهة النظر الأميركية، ويُحرّض على نزع سلاحه. كما سيطرح موضوع «توطين» اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تماشياً مع التدابير الأميركية المتبّعة لإلغاء حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، كما دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني كون ظروف عودتهم الى سوريا ليست مؤاتية بعد. وسينصح المسؤولين اللبنانيين بتسوية الخلاف البحري مع الجانب الإسرائيلي حول البقعة البحرية المتنازع عليها بين الجانبين والتي تبلغ مساحتها نحو 850 كلم، وذلك بأن يُعطى جزءاً منها، علماً أنّها تدخل بأكملها ضمن حصّة لبنان في المنطقة الإقتصادية الخالصة في البحر. وبالطبع سوف يُهدّد بومبيو إمّا بوقف المساعدات العسكرية الأميركية السنوية للجيش اللبناني، أو بعدم إيفاء بلاده دفع القروض بقيمة 150 مليون دولار التي أقرّها مؤتمر «سيدر» العام الماضي لمساعدة اللاجئين والإبقاء على سياسة النأي بالنفس وإجراء الإنتخابات (التي لم تكن قد جرت بعد)، أو غير ذلك من المساعدات التي تقدّمها للمنظمات الدولية المعنية بشؤون النازحين واللاجئين في لبنان.

 

غير أنّ أياً ممّا يبتغيه بومبيو لن يحصل، على ما أكّدت المصادر، لأنّه لا يُمكنه فرض أي شيء على الحكومة اللبنانية التي تتألّف من جميع المكوّنات السياسية في البلاد، بمن فيها «حزب الله». كذلك فإنّ أي طرف في لبنان لا يُمكنه تجاوز البيان الوزاري أو عدم التقيّد به بما نصّ عليه فيما يتعلّق بالمواضيع التي سيطرحها الضيف الأميركي على المسؤولين اللبنانيين. ففي مسألة محاصرة حزب الله فإنّ مطلب بومبيو لن يكون ممكناً، وإن كان فريق سياسي في البلد يُطالب بنزع سلاحه، إلاّ أنّ هذا الأمر لا يُمكن أن يحصل قبل مناقشة الاستراتيجية الدفاعية على طاولة الحوار. وهذا يعني بأنّ سلاح الحزب هو شأن داخلي ستتمّ مناقشته عندما يحين وقته وليس الآن بناء على طلب الولايات المتحدة الأميركية. كما أنّ لبنان يؤكّد على حقّ المواطنين اللبنانيين في مقاومة الإحتلال الإسرائيلي وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلّة، ولهذا فهو يعتبر الحزب، وخلافاً للقرار الأميركي، مقاومة وليس «منظمة إرهابية».

 

وفي موضوع النازحين السوريين، فإنّ الجدل الداخلي حوله قد بدأ قبل مجيء بومبيو الى لبنان، وحتى قبل ذهاب الوفد اللبناني الى مؤتمر «بروكسل 3» حول «دعم مستقبل سوريا والمنطقة». إلاّ أنّ هذا الخلاف الداخلي، يتوقّف عند الموقف الرسمي الموحّد من أزمة النازحين السوريين، وهو أنّ «الحلّ الأفضل لهم هو بعودتهم الآمنة الى سوريا»، على ما أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري في كلمته التي ألقاها في مؤتمر بروكسل أمام المجتمع الدولي. وحتى وإن كان النازحون بغالبيتهم من الطائفة السنيّة، فإنّ فريق «المستقبل» يرفض «توطين» النازحين السوريين، كما اللاجئين الفلسطينيين، انطلاقاً ممّا ينصّ عليه الدستور اللبناني لا سيما في مقدّمته، وانسجاماً مع ما نصّ عليه البيان الوزاري لحكومة «الى العمل» بهذا الصدد «…بوجوب إخراج موضوع النزوح السوري من التجاذب السياسي لما فيه مصلحة لبنان التي يجب أن تكون فوق كلّ اعتبار، مع الإصرار على أنّ الحلّ الوحيد هو بعودة النازحين الآمنة الى بلدهم وبرفض أي شكل من اشكال اندماجهم أو إدماجهم أو توطينهم في المجتمعات المضيفة»… وفيما يتعلّق باللاجئين نصّ البيان على أنّه يعيد التأكيد على «التزام الحكومة أحكام الدستور الرافضة مبدأ التوطين والتمسّك بحقّ العودة للفلسطينيين (…) والعمل لإيجاد حلّ لأزمة تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين».

 

أمّا فيما يتعلّق بالنزاع البحري مع الجانب الإسرائيلي، فإنّ لبنان سيصرّ أمام ضيفه الأميركي، على ما أضافت المصادر نفسها، على تمسّكه بأي شبر من أراضيه، كما من بحره وصدّ أي اعتداء إسرائيلي عليه، مؤكّداً على إرساله الخرائط والوثائق الرسمية للأمم المتحدة المتعلّقة بترسيم حدود لبنان الرسمية. كما سيُطالب بضرورة انسحاب إسرائيل ممّا تبقّى من الأراضي اللبنانية لا سيما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والجزء اللبناني من بلدة الغجر. وسيتمّ تذكير بومبيو بموقف لبنان الرسمي فيما يتعلّق بالصراع مع العدو، والذي نصّ عليه البيان الوزاري عن «أننّا لن نألو جهداً ولن نوفّر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلّة وحماية وطننا من عدو لمّا يزل يطمع بأرضنا، ومياهنا وثرواتنا الطبيعية، وذلك استناداً الى مسؤولية الدولة ودروها في المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله ووحدته وسلامة أبنائه».

 

بناء على ذلك، فإنّ زيارة بومبيو للبنان لن تُشكّل أي انعكاس خطير على الوضع الداخلي، على ما كشفت المصادر نفسها، رغم التهديدات التي سينقلها للمسؤولين، والتي تنطلق من مصلحة بلاده، كما من مصلحة إسرائيل في «توطين» اللاجئين الفلسطينيين حيث هم، ومحاولة استيلائها على الثروات الطبيعية للبنان.

 

وأضافت المصادر بأنّ بومبيو سيُشدّد كذلك على ضرورة الإصلاحات للحصول على مساعدات وقروض مؤتمر «سيدر» لدعم لبنان إقتصادياً، كما على مكافحة الفساد، كأحد الشروط لالتزام بلاده مع لبنان بشكل كبير. فالولايات المتحدة تودّ أن يواجه لبنان خياراته، على ما سينقل، على أنّه سيتمّ التعامل معه من قبل أميركا والدول الحليفة لها، بحسب الطريقة التي سيتبنّى من خلالها لبنان هذه الخيارات. علماً أن لا شيء جديد في خياراته الداخلية والخارجية، لأنّه سيُشدّد على ابتعاده عن الصراعات الخارجية، واعتماد سياسة خارجية مستقلّة تقوم على مصلحة لبنان العليا أولاً، واحترام القانون الدولي حفاظاً على الوطن ساحة سلام واستقرار وتلاقٍ.

 

علماً أنّ استنكار الأحزاب المعارضة لزيارة بومبيو الى لبنان من حزب الله الى الحزب الشيوعي وسواهما، ودعوة هذا الأخير الى التظاهر احتجاجاً على ما سمّاه في بيان له «هجمة شاملة تقوم بها الإدارة الأميركية لتأبيد سيطرتها من مؤتمر وارسو الى صفقة القرن ونزع صفة الإحتلال عن الضفّة الغربية والجولان، وصولاً الى النزوع نحو تقسيم سوريا وفدرلة العراق ومواصلة الحرب على اليمن ومحاصرة إيران…»، سيكون لها صدى خارجي، بأنّ ثمّة فريق في البلد يرفض إملاءات الولايات المتحدة على لبنان ودول المنطقة لصالح إسرائيل.