حوالى 75 جمعية تقدّمت ببيان علم وخبر في عهد لحود ومنها اثنتان في عهد عون
يتباهى بعض الآباء الصالحين، الناصحين، الرؤيويين والحكماء أن أولادهم، بفضل توجيهاتهم ومتابعتهم، “ما لِحقوا الأحزاب واهتموا بدرسن ومستقبلن”. وترسمل بعض الكيانات السياسية الجديدة وتراكِمُ شعبيتها، أو هذا ما تعتقده، على العداء للأحزاب، وفي ذهنها أن “الحزبي” معجون بخميرة فاسدة، وأزعر في العموم وابن شارع. و”اللاحزبي” خير مواطن اُنزِل في المجتمع.
عندما يُحكى في المجالس عن “أحزاب” لبنانية، لا تعبر في بال الحكّائين أحزاب كـ “حزب الوفاق اللبناني” أو “حزب السلام” أو” حزب الولاء الوطني” أو “حركة العيش المشترك” أو “ربطة لبكرا” وما يعادلها وزناً قاعدة وحضوراً وتنظيماً، بل يقصدون بحكيهم أحزاباً سياسية كبرى، متمددة في الجغرافيا والديموغرافيا وفي التاريخ كحزب “الطاشناق” وعمره من عمر جد جده لهاغوب بقرادونيان. أو “حزب القوات اللبنانية” المولود من رحم المقاومة اللبنانية، وقد استعمل تعبير “القوات اللبنانية الموحدة” للمرة الأولى في العام 1978 أو “حركة أمل” (مواليد الـ 74) أو يٌقصد بالأحزاب “حزبُ الله” (تأسس في طهران العام 1982) أو “الكتايب” (1936) كما تقول العامة. وعندما تقول الكتائب، تحضر في ذهنك “النجادة”، وحزب النجادة لا يزال، لمن لا يعرف، قائماً ومدرجاً على لائحة الأحزاب اللبنانية ويقدم بياناته السنوية إلى وزارة الداخلية ويرأسه اليوم محمد فيومي وكان له حضور قوي في الحياة السياسية حتى مطلع السبعينات وقد ترشّح رئيسه (السنّي)عدنان الحكيم إلى منصب رئيس الجمهورية العام 1970، في سابقة كسرت الأعراف منذ نشوء لبنان الكبير.
ومن الأحزاب الكبرى بطبيعة الحال “الحزب التقدمي الإشتراكي” المسجل تاريخ تأسيسه في سنة ولادة رئيسه الحالي وليد جنبلاط. الرئيس منذ 44 عاماً. يحتاج جنبلاط إلى أربع سنين بعد في رئاسة حزبه ليكسر رقم الشيخ بيار الجميل ( 48 عاماً على رأس الكتائب) وإلى سبع سنين ليكسر الرقم المسجل باسم العميد ريمون إده.
وعندما يُحكى عن الأحزاب الكبرى، لا يؤتى على ذكر “التيار الوطني الحر” كحزب، على الرغم من تقدمه بعلم وخبر إبان تولي الدكتور أحمد فتفت “مقاليد” الداخلية بعد استقالة حسن السبع. يُنظر إلى التيار الوطني الحرّ كـ”حالة”. قسم من اللبنانيين يصفونه كحالة مرضية وقسم كحالة صحية، وحالتنا من حال التيّار. وبعد تأسيس التيّار الوطني الحر درج اسم التيّار على أحزاب متواضعة لجهة عدد المنتسبين إلى صفوفها: “تيّار الفجر”، “التيّار الأسعدي”، “تيّار المرابطون”، “تيّار المجتمع المدني”، “التيار الشيعي الحر”، “التيّار الأخضر”. والملفت أن عهد الرئيس البحّار إميل لحّود شهد فورة حزبية غير مسبوقة، إذ تقدمت بـ”علم وخبر” 74 جمعية سياسية منها حزبان لرجل واحد: “حركة الشعب”(1990) و”حزب الحركة الوطنية الديموقراطية” (2008). نجاح واكيم رئيس حزب إستثنائي!
تراجع في عهدين
في عهد الرئيس ميشال سليمان تراجع تأسيس الأحزاب كثيراً، وبلغ عددها أقل من أصابع اليدين، وفي عهد العماد ميشال عون أربعة أحزاب فقط سلكت الطريق الشرعي المتعارف عليه وهي “لقاء الجمهورية” في العام 2015 ويرأسه العماد سليمان وفي السنة نفسها “التيار المستقل” الذي أسسه رفيق “الجنرال” ميشال عون اللواء عصام أبو جمرة ( 84 عاماً) و10 من الكوادر المنشقة عن التيار البرتقالي. وثالثها “حزب سبعة” في آب 2019 أي بعد سنة ونيّف على خوضه الإنتخابات النيابية، (أمينه العام الحالي حسن شمص) وتمكن”سبعة” من إيصال الزميلة بولا يعقوبيان إلى الندوة البرلمانية، بمساندة قوى وتجمعات أهلية، وقد تم فصلها من الحزب الفتي قبل يومين من تقديمه العلم والخبر، لغير سبب ومنها تهرّبها من التصريح عن أملاكها في لبنان والخارج وحضورها اجتماعين من أصل ثلاثين ورفضها الضغط لإقرار قانون الأموال المنهوبة، وذلك بحسب بيان صادر عن الحزب البنفسجي.
ورابعها “لبنان المدني” liban civil وكان له مرشحوه في الجنوب وبعبدا وذلك قبل تقدّمه بالعلم والخبر في تموز من العام الماضي. ورئيسه النائب السابق صلاح الحركة. أو بالأحرى كان رئيسه. اختفى الحزب سريعاً، لا رجاله، كما عشرات الأحزاب القديمة والفتية. وما يستحق التوقف عنده، أن حزبين فقط لا غير تقدما بعلم وخبر في عهد الرئيس عون وكل الكيانات السياسية والتجمعات والأحزاب المولودة في العامين الأخيرين، أي بعد ثورة 17 تشرين لم تسلك طريق “الداخلية” ولم تدرج ضمن لائحة الـ 110 أو الـ 113، وإن كان هناك من يؤكد أن بعضها قدّم مستنداته الرسمية كأحزاب غير “مشيطنة”.
إذاً الأحزاب في لبنان فئتان: فئة تقدمت بعلم وخبر إلى وزارة الداخلية والبلديات وأخرى “مش فارقة معها” ماشية بمكتب سياسي ومسؤولي مناطق وهيكلية تضاهي كبرى الأحزاب الأوروبية. ماشية وأمينها العام راعيها. وما يجدر التوقف عنده، أن الأحزاب المتوارثة رئاستها عائلياً عمّرت والأخرى اندثرت أو على الطريق.
مصدر مسؤول في وزارة الداخلية أفاد “نداء الوطن” أن عدد الأحزاب في لبنان يناهز الـ 110 أحزاب. “ولا إحصاء دقيقاً عن الفاعلة منها على الأرض وغير الفاعلة علماً أن أكثريتها تتقدم بمستنداتها سنداً للمرسوم الرقم 10830 تاريخ 1/ 10/ 1962 وتعديلاته” وينص على أن تتقدم الجمعيات من وزارة الداخلية والبلديات في الشهر الأول من كل سنة بلائحة تتضمن أسماء أعضائها وبنسخة من موازنتها السنوية ومن حسابها القطعي السابق” بتقدير وزير الداخلية السابق زياد بارود فإن “التعديلات تلك جاءت بعد انقلاب القوميين لمراقبة مصادر تمويل الأحزاب” ويرى بارود أن “قانون الأحزاب العثماني الصادر في العام 1909، والمأخوذ عن قانون الأحزاب الفرنسي الصادر في العام 1901هو قانون جيد رغم قدمه ولا حاجة اليوم لقانون أحزاب جديد يُخشى منه أن يقيّد حرية العمل السياسي”.
خطر الملاحقة
ويلفت بارود إلى أن حرية العمل السياسي والإجتماع يكفلها الدستور، سواء تقدم الحزب إلى وزارة الداخلية بعلم وخبر أو لم يتقدم، لكن الأحزاب الناشطة سياسياً من دون “علم وخبر” معرّضة للملاحقة كجمعية سرية أو جمعية أشرار، في حال تم الإدعاء عليها لسبب ما أو مخالفتها القوانين، مهما كانت المخالفة بسيطة”. كما وبمراجعة نص المادتين 6 من قانون الجمعيات و337 من قانون العقوبات، تعتبر الجمعية سرية لمجرد عدم إبلاغ الوزارة بموازنتها وأسماء أعضائها والتعديلات على نظامها، علماً أن عقوبة الجمعية السرية هي حلها ومصادرة أموالها بحسب المادة 338 من قانون العقوبات. فكم من الأحزاب العلنية سرية؟ وفي التوصيف القانوني “حزبُ الله” مثل “حزب الوفاق الوطني” الذي يرأسه بلال تقي الدين. فالحزبان ينشطان من دون أوراق ثبوتية، فلمَ لا يحذوان حذو “جبهة الشعب اللبناني” و”حزب السيادة الوطنية” و “حزب السلام ” و “حزب غرين هانترز”؟ مجرّد تساؤل.
هذا ولا يحق لوزير الداخلية منفرداً أن يسحب “العلم والخبر” من أي حزب “بل يعود القرار بذلك إلى مجلس الوزراء وهذا ما فعلتُه عندما طالبت مجلس الوزراء بسحب العلم والخبر من حزب التحرير” يقول بارود، وقد قرر وزير الداخلية وقتها ( 2011) منع انعقاد مؤتمر دعا إليه الحزب المذكور في أحد فنادق بيروت لكن شيئاً من ذلك لم يحصل بسبب الرعاية والحماية اللتين توافرتا لحزب التحرير، هذا من دون ان ننسى ان هذا الحزب قد حصل على العلم والخبر من وزير الداخلية بالوكالة في حينه الدكتور أحمد فتفت العام 2006.
هل للجمعيات غير السياسية شروط مختلفة عن الأحزاب التي تتقدم بالعلم والخبر؟ سألنا مصدراً مطّلعاً في وزارة الداخلية، قبل التسليم والتسلّم بين العميد محمد فهمي والقاضي بسام مولوي فأجاب:
“لا شروط خاصة بالأحزاب تختلف عن الجمعيات غير السياسية للحصول على بيان العلم والخبر، إذ أن القانون الرقم 9 الصادر في 3 آب 1909هو الذي يرعى شؤون تأسيس الجمعيات إنما تذكر عبارة “جمعية سياسية” في بيان العلم والخبر للأحزاب التي نستدل عليها من خلال اسمها وأهدافها ونظامها الأساسي”.
في ما مضى كانت وزارة الداخلية تشرف على انتخابات الجمعيات، سياسية كانت أو غير سياسية لكن بعد صدور التعميم الرقم 10 في أيار 2006 (أيام الدكتور فتفت) ولا سيما البند الثاني منه، لم تعد “الداخلية” تراقب الإنتخابات عن كثب، بل تكتفي بنسخة عن محضر الإنتخاب. عملياً لا حاجة لأن تشغل الداخلية بالها بالإنتخابات الحزبية، فآخر مرة جرت انتخابات “حساسة” كانت العام 1993، يوم خسر الدكتور سمير جعجع معركة رئاسة حزب الكتائب بمواجهة الدكتور جورج سعادة بفارق بسيط، وربما المرة الأولى. فهل من يعتقد اليوم بوجود منافسين لسامي الجميل وسمير جعجع ووليد جنبلاط وسعد الحريري ونبيه بري، وطلال إرسلان وكميل شمعون ووئام وهاب ( مع حفظ الألقاب) في أي انتخابات حزبية؟ ولو لم يتنحّ كارلوس إده أكان سمع كتلوي باسم بيار عيسى كأمين عام لحزب الكتلة الوطنية؟