موقع لبنان على سلّم الاهتمامات الاقليمية والدولية ليس ثابتا بطبائع الأمور. وميزان التبدّل في الموقع لجهة التقدم أو التأخّر على السلّم يتأثر بعوامل تتجاوز لبنان، وتتحكّم به نظرة القوى الاقليمية والدولية الى وظيفة المسرح اللبناني في الصراعات والتحولات. فالمشغولون اليوم ايجابا بحجم الاهتمام السعودي الى جانب الاهتمام الأميركي، وسلبا بحجم الاهتمام الايراني، يقابلهم المشغولون ايجابا بحجم الاهتمام الايراني، وسلبا بحجم الاهتمام السعودي الى جانب الاهتمام الأميركي. والكل يبدو مرتاحا لثبات الاهتمام الفرنسي بالوطن الصغير لذاته في الدرجة الأولى، أو أقله يتجنّب من لديهم حساسيات تجاه فرنسا وكل الغرب اعلان موقفهم الحقيقي.
وفي هذا الاطار تأتي القراءه في شهادة الجنرال جوزف فوتيل قائد القيادة الوسطى أمام مجلس النواب التابع للكونغرس الأميركي. فالرجل الذي يقود القوات الأميركية في الشرق الأوسط ويؤكد ان بلاده هي الشريك الأمني الأول للجيش اللبناني يعبّر عن القلق حيال جهود حزب الله لاختراق المؤسسات الأمنية ال ٢٥، وهذا رقم يجهله لبنانيون كثر. والتركيز في النظرة الى عوامل الاهتمام الأميركي هو على أمرين مترابطين طبعا. أولهما الموقع الجيوسياسي: لبنان يقع بين اسرائيل الصديق الرئيسي لأميركا وممر النفوذ الايراني من طهران الى العراق وسوريا.
وثانيهما المشهد الواقعي: لبنان يواجه ركودا اقتصاديا وأزمة لاجئين سوريين والنفوذ المتزايد لحزب الله الذي يتمتع بفيتو على قرارات السياسة اللبنانية بمساعدة تحالفاته.
والثابت في الاهتمام الأميركي هو مساعدة الجيش بالسلاح الذي لا يتسرّب الى أية جهة والتدريب وشيء من الشراكة في مواجهة الارهاب عملانيا ولا أحد يعرف ان كانت الرياض ستعيد النظر في وقف الهبة الملكية لتسليح الجيش فرنسيا بقيمة ثلاثة مليارات دولار. وليس واضحا كيف ستطبق ادارة الرئيس دونالد ترامب استراتيجية كبح النفوذ الايراني وقطع الأذرع الايرانية في المنطقة، ولا ان كانت تريد أو تستطيع التطبيق. لكن الواضح ان العامل المهمّ في تحريك الاهتمام الأميركي والسعودي هو تنامي قوة حزب الله وتوسّع النفوذ الايراني وتجذره في العراق وسوريا وبلدان أخرى، وإمكان ان يضمن حزب الله في الانتخابات النيابية قوة الشرعية مع شرعية القوة عبر أكثرية نيابية موالية.
ولا شيء خارج الحسابات الواقعية. أيام الوصاية السورية صار لبنان في آخر سلّم الاهتمامات، وكانت دمشق هي العنوان الذي تخاطبه العواصم في مسائل لبنانية. وحين تبدّلت الحسابات فرض القرار الدولي خروج القوات السورية، وعاد لبنان الى موقع متقدّم على سلّم الاهتمامات الأميركية والسعودية وتعزز موقعه على سلّم الاهتمامات الايرانية كما صار الهاجس الكبير للعدو الاسرائيلي.
والصراع مستمر في شرق أوسط متحوّل وموازين قوى متغيّرة.