IMLebanon

ثورة لبنان… أرمينيا نموذجاً

 

لا يسعني وأنا أشاهد انتفاضة شعبي ضدّ الظلم والاستبداد وسياسات الفقر والتجويع وحملات النفاق اللامتناهي من السياسيين على الشاشات إلا أن اتذكّر ثورة أرمينيا التي سُميت بالـ”مخملية” واستمرت من نيسان الى أيار 2018.

 

لا أخفي أنني حين واكبت ما آلت اليه الأمور في أرمينيا من ازدهار وتقدّم ومنذ لحظات الثورة الأولى شعرت بحسدٍ دفين من أترابي الأرمن وصل بي أحياناً حدّ التأثر البالغ. ليست تركيبة النظام الأرمني مشابهة للنظام اللبناني طبعاً، ولكن لبنان أسوة بأرمينيا يرزح تحت وطأة سلطة مكوّنة من “نصّابين” وطغمة “انتهازيين” تماماً كما كانت حال أرمينيا حين كانت تنهش بها أنياب المافيا المتعطشة دوماً الى قضم مزيد من المغانم على حساب الشعب. بدأت شرارة الثورة في أرمينيا في آذار 2018 حين أراد رئيس البلاد سيرج سركيسيان، المستأثر بالحكم منذ العام 2007، الاستمرار في النسيج السياسي بتنظيم جلسة لانتخابه رئيساً للحكومة، وكان قد غيّر الدستور للوصول الى الهدف المنشود. نظم النائب المعارض نيكول باشينيان (رئيس حكومة أرمينيا الحالي) تظاهرات سلمية انتشرت شرارتها انتشار النار في الهشيم من منطقة الى أخرى رفضاً لجلسة انتخاب سركيسيان ووصل عدد المعتصمين والمحتجين في شوارع يريفان الى الآلاف. وبضغطٍ من رئيس جمهورية البلاد لحلّ الأزمة، قبِل النائب الثائر لقاء رئيس الحكومة المنتخب لتبيان الأمور. دام اللقاء 3 دقائق فقط أمام عدسات الاعلام المحلي والعالمي، طالب فيها باشينيان رئيس الحكومة سركيسيان بالاستقالة، فاتهمه الاخير بالابتزاز آمراً باعتقاله لحظة خروجه من القاعة. ثار الناس رفضاً واستوطنوا ساحة الجمهورية بتظاهراتٍ قوامها رقصات الفولكلور والغناء والعزف قاطعين الطرقات بما يشبه المهرجانات الموسيقية. وما لبث أن أطلق سركيسيان سراح المعارض الثائر معلناً استقالته بجملةٍ شهيرة: “كان باشينيان على حق وكنت على خطأ”.

 

وبعد انتخابات شرعية نُصّب باشينيان رئيساً للحكومة وبدأ فوراً سلسلة إصلاحات جدية مشكلّاً حكومة من 17 شخصاً معظمهم من الشباب الماهر المتخرّج من أرقى الجامعات العالمية، فكلّ وزير طويل الباع في الشأن الذي يتولاه. وسرعان ما أطلق باشينيان عملية استنهاض سريعة كلّلها باستعادة أموال الدولة المنهوبة ملقياً بوجوهٍ سياسية بارزة وراء القضبان، مُعيداً ما نهبوه من أموال الى خزينة الدولة، ومستثمراً بزخم في القطاعات الصناعية والانتاجية المحلية ناقلاً أرمينيا بأشهرٍ قصيرة الى مصاف الدولة المتقدّمة والواعدة.

 

ما نحن بحاجة إليه في لبنان هو أولاً ثورة سلمية لا تبارح الشوارع حتى إسقاط الزمرة الفاسدة، ولا تشوبها شائبة “الطابور الخامس” وعصابات “السكاكين”، ثم نحتاج الى “باشينيان” لبناني يحبّ وطنه حدّ الوله أكثر من انتمائه الحزبي أو الطائفي، أي الى رجل دولة فعليّ يُتقن صناعة حكومة مُنتجة ولا يخشى المضي بإصلاحاتٍ موجعة تصبّ في مصلحة الوطن وتنتشله من الوحول التي يتخبط فيها. نحلم برجلٍ من هذه القماشة وجمهورٍ رفيع المستوى من طينة شعب أرمينيا الثائر النابض بالحياة فهل يتحقّق الحلم؟