مع مرور عيد رقاد السيدة والدة الإله منذ أسبوع، والذي يحلّ على الإنسانية بتاريخ 15 آب من كل سنة حسب المعتقد المسيحي، ويعتبره المسيحيون عيد الانتصار على الموت بالتمسّك بالربّ المُخلّص، يتمنّى اللّبنانيون أن يتجسّد هذا العيد انتصاراً وخلاصاً للبنان على منظومة العار والتخلّف والشرّ والجهل الأخلاقي التي تسلّطت على دولتهم وتمادت بتعدّياتها على قناعاتهم وعلى قيمهم، وتمادت بتجنّيها على الأحرار في بلدهم، فمتى الخلاص؟
يتردّد هذا السؤال العفوي يومياً على ألسنة اللبنانيين ويترافق مع شعورٍ بالحرقة والشوق للخلاص من وضعٍ فُرضَ عنوةً عليهم منذ سنوات. وبقهرة العارفين بعدم قرب الخلاص من براثن التنّين، يتساءلون، ومع إيمانٍ قويّ بأن الأوضاع الشاذّة لها نهاياتها، فمتى الخلاص؟؟؟
وإن كانت الأغلبية العُظمى للشعب اللبناني من كامل الأطياف قد وعت أنّ أسباب عذاباتها تنطلق من مشروع الطرف الإيديولوجي المتمثّل بـ»حزب الله» ودويلته وأعماله العسكرية والأمنية والعدائية لأصدقاء لبنان ولدول العالم الحرّ التي يعيش فيها ويعتاش منها الملايين من اللبنانيين المُصرّين على الارتباط بأهاليهم وعائلاتهم وقُراهم ومُدنهم، فالسؤال التالي الذي يطرحه اللبنانيون هو عن كيفية الخلاص من هذا الفريق، كونهم يُدركون خطورته وقدرته على التمسّك بكل نواحي حياتهم واستعداده للإقدام على ممارساتٍ إجرامية ولا أخلاقية. ومن ذلك المنظار يتوحّد معظم اللبنانيين ليس على التحاليل السياسية اليومية والاستراتيجية، بل على رفض منهجية فريق الدويلة متمنّين الخلاص منه أو الانفصال عنه، على الأقل بشؤونهم الحياتية اليومية. ومع كل ذلك، يبقى البعض من الأفرقاء السياسيين المتمسّكين بالتحالف والتفاهم مع الخطيئة، مُراهناً على نيله من الدويلة التفويض بمهمة القمع والإسكات للساحات اللبنانية، ولقتل شوقها للخلاص.
باتت رؤية معظم اللبنانيين واضحة وأصبحت كافة الأطراف والأطياف تُدرك بأنّ المآسي تكمن في جهة الدويلة وحزبها التأليهي، والخلاص في الجهة الأخرى التي تُمثّل مفهوم بناء الدولة العميقة، ويتبوّأ حزب «القوات اللبنانية» الواجهة فيها، ولذلك أصبح لبنان يدور في فلك وجاذبية النزاع الاستراتيجي الواقع بين قطبين هما «حزب الله» و»القوات اللبنانية»، مع أهمية أدوار الأفرقاء السياسيين الآخرين ومحورية أدوارهم، ولكنّ قدرات الفريقين القطبين المتنوّعة التي تؤهّلهما لخوض المواجهات تفوق قدرة باقي الأفرقاء التي بدورها تُشكّل بالفعل اكتمالاً لصورة المواجهة ولتضاريس القطبين.
ما كنت أدعو له باستمرار من خلال مقالاتي ومواقفي وتصريحاتي ومقابلاتي الإعلامية بضرورة أن يُدرك الشعب اللبناني معاني المواجهات وعواقب نتائجها ودقّة وأهمّية الفوارق في الطروحات السياسية المُختلفة والمُتباينة والمُتواجهة والمُتنافسة، أصبح واقعاً، ولذلك ومع صعوبة الأوضاع المعيشية وكثرة المعاناة الشعبية وتكاثر المآسي، تكمن في المرحلة الحالية إيجابية حقيقية، وهي أنّ الشعب اللبناني بتحرّره من لعبة الشيطان، التي خدعته وخدّرته وأبقته طويلاً رهينةً داخل شباكها الوسخة والرديئة، وشنّت عليه حروباً لها وجهان، منها الظاهر ومنها الخفيّ، فكان الشق الباطني منها الأخطر دائماً، قد حدّد الآن أسباب مآسيه ودمار بلده، وبات قادراً على أن يطرح على الفريق السيادي المُقابل لفريق التدمير، السؤال المحوري، متى الخلاص؟؟؟
(*) عضو تكتل «الجمهورية القوية»