يبدو لبنان أضعف الحلقات بين الدول التي تستعد لمواجهة سيناريو الضربة الاميركية لـ «الدولة الاسلامية»، لكن للدول المعنية مباشرة ايضاً مخاوفها وهواجسها وحساباتها الخاصة
ترصد أوساط سياسية مطلعة ما يدور دولياً واقليمياً حول التحالف العربي والغربي لاستهداف «الدولة الاسلامية»، من زاوية أهداف دول المنطقة المعنية مباشرة بوضعي سوريا والعراق، اي ايران والسعودية وتركيا وقطر. بات معروفاً ان الولايات المتحدة لن تلجأ الى تدخّل عسكري مباشر على الارض في العراق او سوريا، رغم ارسالها مستشارين عسكريين الى العراق، لكن القصف الجوي في العلم العسكري، مهما بلغ حجمه وقوته، لن يكون كافياً لتدمير بنية «الدولة الاسلامية» وهزمها، وخصوصاً ان القصف الجوي يستهدف عادة مواقع محددة ومساحات محصورة، فيما انتشار «الدولة» انتشار افقي واسع المدى، لا يمكن للقصف الجوي وحده ان يوقفه.
وتجربة القصف الاسرائيلي المدمر للبنان في حرب عام 2006 أظهرت ان القصف لم يستطع وقف الالة العسكرية لحزب الله، رغم الفرق الشاسع بين لبنان كمساحة جغرافية ومساحة انتشار «الدولة الاسلامية» في مناطق شاسعة.
اذاً، في ضوء الاعتراف بالدور المحدود للضربات الاميركية، يقع الجزء الاكبر من العمل الميداني على الاطراف المتورطين مباشرة في العراق وسوريا، او الدول التي ترعاهم. لكن لكل من هؤلاء حساباته الخاصة التي يريد تحقيقها من خلال الضربة الاميركية.
تتقدم ايران في العراق على نحو ثابت، وتحاول تجميع القوى الشيعية وحتى الكردية، وتتمسّك في سوريا ببقاء نظام الرئيس السوري بشار الاسد. وبقدر ما قد تكون ايران غير ممانعة للضربات على «الدولة الاسلامية» في العراق، تعارض ضربها في سوريا. خوف ايران، ومعها روسيا، ان تطاول الضربات مواقع اساسية للجيش السوري النظامي، وهي اليوم ليست في وارد قبول تغيير معادلة بهذا الحجم رغم خطر «الدولة الاسلامية». فبقاء هذه «الدولة»، في سوريا على الاقل، يبقي موازين القوى في سوريا على حالها بين النظام ومعارضيه، حتى لو كان خطر هؤلاء يتعاظم على مثال تنظيم «الدولة الاسلامية». في وقت تتلاحق فيه الاشارات المكثفة والاستعدادات من عدد من الاطراف لتجميع المعارضة السورية وتسليحها لمواجهة الاسد في موازاة الاستعداد للضربة الاميركية. الا ان ايران تريد الحد من دعم الولايات المتحدة للمعارضة السورية وحرمان السعودية اي نصر يتعلق بتغيير نظام الاسد.
لا يبدو لبنان سوى متلق لردود الفعل من جراء حصول الحرب على «داعش»
اما الدول السنية الثلاث الاخرى ــــ السعودية وتركيا وقطر ــــ فلكل منها وضع مختلف. تواجه السعودية اسوأ وضع بين الدول الاربع. بين ايران والاخوان المسلمين وتفجر الثورات واحتمال وصول «الدولة الاسلامية» الى عقر دارها. تريد السعودية ضرب «الدولة»، لكنها، في المقابل، لا تريد صعوداً للقوة الشيعية في العراق ولا بقاء الاسد برعاية ايرانية. لا بل تريد اجبار ايران على الانكفاء، وتجميع المعارضات تحت رايتها. رغم انها في حال تناقض وصراع مع ايران وتركيا وسوريا والعراق وقطر وحتى مع بعض المعارضات التي تعمل في سوريا.
من جهتها، تمثل تركيا اكبر قوة عسكرية، وهي تريد من هذا الحلف المستجد استبدال نظام الاسد بنظام سني يكون بوابتها لاستعادة نفوذها في المنطقة العربية. كما انها مرتاحة لموقعها، فهي ليست عرضة لتهديد ايراني، ولو ان لايران اليد الطولى في ما يحدث في العراق وسوريا. وهي تتعامل مع كافة انواع المعارضات، مادياً وعسكرياً، وتريد تعزيز عودة الاخوان المسلمين الى سوريا بالتعاون مع قطر.
اما قطر فهي ضد الهيمنة السعودية، وتدعم «الاخوان» و«جبهة النصرة» وتريد الضربة على سوريا والعراق من اجل اقتسام سوريا مع الاسد في ضوء اشارات عن استعدادها لقبول تسوية سياسية مع نظامه.
كل هذه الصورة تظهر مدى تعقيد الحالة السورية والحرب على «الدولة الاسلامية»، وتظهر ان لكل طرف اقليمي حاجة مختلفة تتأتى من اي تحالف عربي ــــ غربي لضرب «الدولة الاسلامية». والمشكلة تكمن، وفق هذه الخريطة، في ما بعد ضرب «الدولة الاسلامية». فاذا سلمنا جدلا بأن الضربة الاميركية ادت غرضها، وساهم مفعولها في فرط بنية «الدولة»، فليس اكيدا ان هذه الدول، في ظل اهدافها وحساباتها الخاصة، يمكن ان تتقدم لصياغة نظام اقليمي جديد لاحتواء الصراعات الطائفية في المنطقة التي يمكن ان تنفجر في كل الاتجاهات.
لا يبدو لبنان في هذه الصورة، سوى متلق لردود الفعل التي يمكن ان تنشأ من جراء حصول الضربات الاميركية الجوية وما يمكن ان يرافقها من تحركات ميدانية في العراق او سوريا. لا قدرة للبنان، عسكرية او سياسية، حتماً، على دخول مواجهة من هذا الحجم. ولا شيء يوحي ان لديه الحد الادنى من الاستعداد والقدرة لمواجهة اي ارتدادات او عمليات يمكن ان تكون مطلوبة لاشعال الوضع، في موازاة اي ضربة لـ «الدولة الاسلامية»، ولا سيما اذا رفعت تلك من مستوى عملياتها في سوريا وعلى الحدود مع لبنان. والمخاوف التي يمكن ان ترصد من الان وصاعداً، تتعلق برفع مستوى الحذر من منطقتين بالغتي التعقيد، عرسال بطبيعة الحال واحتمال تكرار مشهد العنف فيها، وطرابلس حيث تبدو الحالة بحسب عارفيها اسوأ بكثير مما تعتقده بعض القوى السياسية، بسبب استشراء انتشار السلاح ودفع الاموال لاستنهاض الخلايا النائمة في طرابلس، وكذلك في مناطق حدودية اخرى باتت تحت المعاينة من الشمال الى الجنوب.