IMLebanon

حصة لبنان من عودة فرنسا إلى الشرق الأوسط

يشكل الحضور الفرنسي مجدداً في الشرق الأوسط عامل ثقة بالنسبة الى دول الخليج، وبإمكان لبنان أن يستفيد منه. لكن بالنسبة الى باريس، ليس هناك شخصية لبنانية يمكن أن تعتمد عليها لإمرار الحل أو إدارته في لبنان

إلى أي حد يمكن أن يستفيد لبنان من عودة الحضور والدور الفرنسيين إلى الخليج والشرق الأوسط؟

السؤال المطروح من زاوية الاهتمام الفرنسي بالرئاسة اللبنانية، أو من خلال صفقة السلاح السعودية لصالح لبنان بقيمة ثلاثة مليارات دولار، يأتي في أعقاب عودة فرنسا الى المنطقة من بوابة الصفقات التي عقدتها أخيراً لبيع طائرات رافال إلى قطر ومصر، أو حتى من خلال صفقة السلاح للجيش اللبناني عبر الرياض، وحرص الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على تعزيز علاقته بالسعودية ودول الخليج.

ففي مقابل تراجع الاهتمام الأميركي بالتفاصيل المتعلقة بإدارة شؤون الشرق الأوسط، والاكتفاء بإدارة خيوط اللعبة عن بعد، مع الحرص على التوازن بين حوارها الاستراتيجي، لا النووي فقط، مع إيران ودعمها طاقم الحكم الجديد في السعودية ورعاية «عاصفة الحزم»، تعمل فرنسا على إعادة تثبيت حضورها في الشرق الأوسط وإرساء شراكة جديدة مع دول الخليج.

تاريخياً، يختلف دور فرنسا في الخليج العربي عن دورها في شمال أفريقيا. ولطالما كان دورها محصوراً في الشرق الأدنى، ولا سيما بعد سقوط الدولة العثمانية، وحتى بعيد نيل الدول التي انبثقت عن انهيارها استقلالها. لذا تأخذ صورة الرئيس الاشتراكي في قطر أو السعودية او مصر الحالية أبعاداً أخرى لا تشبه أبداً صورة سلفه ومثاله فرنسوا ميتران في مصر ــــ الأهرام التي كان يحلو له أن يزورها سنوياً.

واشنطن تركت

لباريس مساحة لتحريك عجلة ملف الرئاسة

بين الصورتين فارق تاريخي ومتغيرات كثيرة سمحت لهولاند، في اللحظة التي ترزح فيها فرنسا تحت عبء أزمة اقتصادية من جهة، ومن جهة ثانية صعود اليمين المتطرف مقابل تأجج الصراع مع التنظيمات الجهادية في فرنسا، ولا سيما في أعقاب تفجيرات شارلي إيبدو، أن يعقد صفقات بيع طائرات مع دول الخليج التي تفتش بدورها عن حليف غربي يقف على مسافة من طهران.

تستفيد فرنسا راهناً من تمايزها عن واشنطن في مقاربتها الحوار مع إيران، رغم أن لباريس باعاً طويلاً في العلاقة مع الدولة الإسلامية، في ما يتعلق بالتأثيرات الإيرانية في كثير من ملفات المنطقة، وما يعنينا منها في لبنان سابقاً خلال أزمات الرهائن وحديثاً إبان حروب إسرائيل ضد لبنان وانتخابات رئاسة الجمهورية واتفاق الدوحة.

ورغم العلاقة السوية نسبياً مع إيران، وقفت فرنسا في وجه الاتفاق النووي واستمرت في إعطاء ملاحظاتها عليه، رغم تقدمه على خط واشنطن. وفي وقت كان فيه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يمتّن علاقته مع نظيره الأميركي جون كيري، كان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس يبني استراتيجية جديدة مع السعودية ويعزز العلاقة مع الدول العربية التي تنظر بريبة شديدة الى ما تنسجه حليفتها التقليدية مع خصمها في إدارة ملفات الشرق الأوسط، وهو ما ظهر في التعامل السعودي والخليجي مع قمة كامب دايفيد.

تسعى فرنسا وفق ذلك الى الدخول على خط عواصم عربية فاعلة على مستويين، الأول اقتصادي بحيث تعيد ترميم اقتصادها بأموال خليجية، عبر صفقات سلاح وطائرات، وقد بدأت حملة ترويج داخلية لما تخلقه هذه الصفقات من فرص عمل للمواطنين الفرنسيين. والثاني التنسيق مع هذه الدول في مواجهة الإرهاب الذي يطال فرنسا، والتي يستمر فيها الجدل حول طرق معالجة الإسلام الفرنسي واستيعابه وتعميق اندماجه في المجتمع الفرنسي، وفي الوقت نفسه دعم هذه الدول في مواجهة التمدد الإيراني ومفاعيل الاتفاق النووي.

دخلت فرنسا التي تشن حرباً ضد الحركات الجهادية في شمال أفريقيا، من دون أن ننسى تدخلها في ليبيا، في التحالف الغربي ــ الخليجي لضرب تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، وسط ارتفاع خشيتها من تدفق مواطنيها للالتحاق بالتنظيم ومن تدفقهم المضاد بعودتهم الى فرنسا. وفي المقابل، تسعى الى استيعاب هجرة الأقليات الهاربة من جحيم الحروب في الشرق الأوسط؛ وفي مقدمهم المسيحيون، عبر تنظيم هجرات مدروسة للعائلات السورية والعراقية النازحة.

تعيد فرنسا حضورها الى الشرق الأوسط عبر البوابة الخليجية، في وقت يحاول فيه لبنان النفاذ من الصراع المفتوح بين محورين سعودي وإيراني، لتثبيت استقراره بالحد الأدنى. فهل يمكن لفرنسا أن تساعد في حماية الاستقرار، وصولاً الى تحقيق انتخابات رئاسة الجمهورية؟ أم أن صورة هولاند في اجتماع مجلس التعاون الخليجي سيكون لها ارتداداتها السلبية؟

خبر لبنان في الأشهر الأخيرة الدور الفرنسي تجاه لبنان من خلال صفقة السلاح وتحرك الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو في اتجاه إيران والرياض في ملف انتخابات رئاسة الجمهورية. وإذا كانت صفقة السلاح قد ترجمت عملياً بدفعة أولى تنفذ وفق برنامج سعودي ــ فرنسي مشترك وستكون مراحله طويلة الأمد، فإن التحرك الرئاسي وصل الى طريق مسدود، رغم اللقاءات التي عقدها الموفد الفرنسي مع المسؤولين الإيرانيين والسعوديين، أو حتى من خلال حركة هولاند العربية واستقباله مسوؤلين لبنانيين زمنيين وروحيين.

يقول أحد السياسيين ممن يتواصلون باستمرار مع الدوائر الفرنسية إن واشنطن تركت لفرنسا المساحة الكافية لتتحرك في لبنان وتحاول القيام بما يمكن القيام به من أجل تحريك عجلة ملف الرئاسة، نظراً الى العلاقات الفرنسية ــ اللبنانية التقليدية، علماً بأن فرنسا لم تقطع يوماً علاقاتها مع كل الأطراف ولا سيما مع حزب الله.

لكن حتى الآن، لم تتمكن فرنسا من إحداث خرق في جدار الأزمة لأسباب لا تتعلق بباريس وحدها. إذ لا يوجد لدى فرنسا حالياً، بحسب هذا السياسي، أي شخصية لبنانية بإمكان باريس أن تعتمد عليها في مقاربة الملف اللبناني من كل جوانبه (كما كان يحصل سابقاً بين فرنسا وقيادات مارونية أو حتى بين فرنسا والرئيس الراحل فريق الحريري). ورغم أن باريس تستقبل شخصيات لبنانية باستمرار، إلا أنها حتى الآن لم تتمكن من وضع ثقتها بشخصية يمكن أن تشكل حالة مستقلة تنفذ من خلالها الى وضع استراتيجية حل متكامل للأزمة اللبنانية.

من الآن وحتى مجيء السفير الفرنسي الجديد إيمانويل بون، وهو العارف بشؤون لبنان والمنطقة بوصفه مستشاراً لهولاند، تسعى فرنسا الى أن تضيف مزيداً من عوامل الثقة في اتصالاتها مع المسؤولين اللبنانيين، ولا سيما أن بون سيلعب دور السفير والموفد الخاص في الوقت عينه، في شكل يسمح لفرنسا بأن تكون أكثر فعالية من المرحلة السابقة. لكن العبرة تبقى دائماً في التنفيذ، فلا تتكرر تجارب سابقة، انسحب فيها الدور الفرنسي تحت ضغط الثقل الأميركي، وتفلّت المسؤولين اللبنانيين أيضاً من تعهداتهم.