IMLebanon

سباق بين الانفجار والانفراج.. وكل الاحتمالات واردة

 

هل فشلت مساعي تأليف حكومة جديدة؟ وهل كل الطرق باتت تقود إلى الفراغ في هذه الفترة القاتلة من انحلال الدولة بمؤسساتها ومظاهرها؟ وما الذي يمنع القوى السياسية الممسكة بما تبقّى من سلطة، من تغيير سلوكها اللامبالي من أجل عكس مسار الانهيار ووقف درب الجلجلة التي يعيشها المواطن اللبناني؟

يقول ديبلوماسي بارز، انّ أزمة لبنان المستدامة هي أنّه تحول ساحة اشتباك قوى متطاحنة على أرضه، وبات من شبه المستحيل تحييده عن المواجهات والانقسامات الاقليمية والدولية، وإبعاده عن استعماله كصندوق بريد احياناً وتصفية حسابات أحياناً أخرى. وبالتالي، يدفع لبنان اليوم أثمان انقسام ابنائه بين محور هنا ومحور مناهض هناك.

 

ويرى الديبلوماسي، انّ المنطقة تشهد توتراً بالغاً في هذه المرحلة وإعادة ترتيب المشهد الجيوسياسي وفق توازنات قوى جديدة. فمن جهة هناك تحالف منتدى الغاز الذي يضمّ مصر والاردن والسلطة الفلسطينية واسرائيل وقبرص واليونان وايطاليا، وتدعمه فرنسا والاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية، وتحالف آخر ناتج من «اتفاقيات ابراهام»، ويضمّ دولاً عربية وخليجية واسرائيل، وهو تحالف سياسي واقتصادي استراتيجي. وفي المقابل هناك ايران وحلفاؤها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين.

 

ويضيف الديبلوماسي، انّ هناك سباقاً بين الانفجار والانفراج، وكل الاحتمالات واردة. وانّ بوادر هذه الاحتمالات قد تنطلق من نقطة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل. فواشنطن والاتحاد الاوروبي يدعمان بقوة مساعي الوساطة لإنجاح الترسيم، نظراً إلى الحاجة الملحّة إلى سدّ النقص الناتج في الغاز المستورد من روسيا بسبب الحرب مع اوكرانيا، وإن كانت الكميات المتوقع زيادة ضخّها من اسرائيل لا تلبّي الحاجات الاوروبية. وفي المقابل، لن تقبل طهران بالتنازل عن أي ورقة قوة بين يديها على المستوى الاقليمي، ومن بينها ورقة ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل مجاناً ومن دون استكمال «المفاوضات المترددة» بينها وبين الاميركيين حول إعادة إحياء الاتفاق النووي ووقف العقوبات المفروضة على ايران.

 

ويكشف الديبلوماسي، أنّ هذا التوتر الناجم عن الاشتباك المتواصل على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والسيبيرية يرخي بظلاله على مسار استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية في موعده الدستوري، ويعرقل وضع لبنان على سكة التعافي. مشدّداً على انّ اللاعبين المحليين لا يملكون القدرة على جعل الاستحقاق الرئاسي في منأى عن هذه المناخات والحسابات والأجندات، وبالتالي يستمر الهريان على كل المستويات الداخلية، وسط عجز القوى السياسية المحلية عن التصدّي لأي أزمة، سواء معيشية أو مالية أو ادارية.

 

وينفي الديبلوماسي العريق أي صلة بين زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن لمنطقة الشرق الاوسط، التي لن تتضح معالم نتائجها على المدى القصير، وبين القمة الثلاثية التي تُعقد في طهران وتجمع رؤساء روسيا وتركيا وايران، فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان وابراهيم رئيسي. ويوضح، أنّ هذه القمة متفق على إقامتها قبل سنتين وتأجّل انعقادها بسبب تفشي وباء كورونا، وهي تأتي في إطار سلسلة من الاجتماعات الثلاثية التي عُقدت في الدول الثلاث، بهدف ربط النزاع والتنسيق في ما يمكن من مسائل تتعلق بالحرب في سوريا تحديداً، وانّ من الطبيعي ان يتمّ التطرّق إلى مواضيع حيوية ملحّة ومستجدة، مثل أزمة نقص القمح وسبل معالجتها بسبب الحرب مع اوكرانيا.

 

ويلفت الديبلوماسي، إلى أنّ هذه القمة الثلاثية لا يمكن اعتبارها تحالفاً بأي شكل من الاشكال، لأنّ تركيا هي في حلف «الناتو» ولها مواقف مستقلة ومغايرة عن موقفي روسيا وايران، سواء في ما يتعلق بأوكرانيا أو في عدد من المسائل الدولية والاقليمية، وانما هذا لا يعني انّها مختلفة عن عدد من المبادئ الأساسية في ما يتعلق بالملف السوري.

 

ويختم الديبلوماسي، انّ لبنان بلد صغير، وبالتالي، كما يقع سريعاً ضحية المصالح المتعاكسة والأجندات المتنازعة بين القوى الخارجية، ينهض سريعاً من كبوته حين تحين اللحظة الدولية والاقليمية المؤاتية، والمهم أن يحافظ القياديون اللبنانيون على حدّ أدنى من استمرار المؤسسات والمرافق العامة وحماية النظام المالي والاقتصادي الحرّ وتجنّب سياسة «النعامة» والأرض المحروقة.