علينا ان لا نتوقع الكثير من الطبقة السياسية ومناصريها لأنّ معظمهم تعلّموا السياسة في النزاعات الأهلية البغيضة واعتبروا قتل بعضهم البعض انتصاراً لفكرة سامية ومقدّسة، وآخرون تعلّموا السياسة في مدارس الاحتلال واغتصاب الحقوق واقتلاع البشر من أرضهم وتهديم منازلهم، ايضا من اجل سلامة جماعة صغيرة على حساب استقرار أمّة بأسرها، بحاضرها وماضيها. والبعض الآخر تعلّم السياسة في مدارس الوصايات والانتدابات، وهي مدارس بغيضة ايضاً تقوم على احتقار الآخرين واعتبارهم غير قادرين على ادارة شؤونهم بأنفسهم.
تلك هي بعض المدارس والمعاهد والجامعات التي تخرّج منها اغلب سياسيّي لبنان، لذلك يصعب توقّع أمور مغايرة لتلك الاختصاصات التي تعلمونها، وانهم يحاولون ان يخدموا لبنان الآن بعلمهم وخبرتهم، لذلك نجد ان فلسفة خطوط التماس موجودة في كل الخطابات والتصريحات، هذا بالاضافة الى الحواجز الطيّارة والقتل على الهوية التي نتابعها عبر التغريدات الطيارة على وسائل التناقض الاجتماعي مع خطابات التخوين وهتك المحرمات بين الإخوة الأعداء في لبنان.
هناك رغبة شائعة لدى معظم اللبنانيّين في التخلّص من الآخر مع الشعور بالسعادة عند كل تجريح او تدمير للأحلام والطموحات. ودائماً في لبنان تجد من يعرف كل شيء والقادر على التحكّم بكل شيء، ناهيك عن تعاظم الأنانيات وتعدد الشخصيات،مع تلك الثقافة العدمية والتدميرية التي تكاد تطالنا جميعاً. والاكثر تدميراً على المستوى الاخلاقي الآن هو تلك الفئة التي لم تحمل السلاح بل تعلّمت العنف السياسي من حملة السلاح ولديها رغبة عميقة بالانتقام من كل اللبنانيين بدون استثناء.
ان ادارة الشأن العام على مبدأ المغانم والمكاسب تجعل من الاستقرار قضية بعيدة المنال، لأنّ ضحايا العنف السياسي هم اكبر بكثير من ضحايا العنف المسلّح، إذ أننا نستطيع ان نهرب من السلاح الى أماكن اكثر أمناً أمّا العنف السياسي فهو يطالك حتى لو كنت خارج البلاد لأنّه يدمّر الإرادة الوطنية ويبدّد الأمل بالاستقرار.
سيعرف كل الذين يحاولون الاستيطان في اللحظة الراهنة أنهم قد أساؤوا التقدير وأضلّوا الطريق نحو خلاصهم واستقرارهم، وأنّ نتائج الحروب والنزاعات هي الدمار ثم الدمار وانتشار الجريمة والتسيّب وعدم الاستقرار، وأن الحكمة كانت تقتضي بعدم الاستيطان في اللحظة الراهنة لأننا قادمون على نزاعات أشدّ هولاً من تلك التي شهدناها خلال السنوات الماضية، وانه كان علينا كإحدى دول جوار النزاع والارهاب ان نكون اكثر حكمة ودراية وتبصّر بما هو قادم بدل الانشغال بتوافه الأمور والاوهام.
كانت منطقتنا على رأس اهتمامات المرشّحين للرئاسة الاميركية وفي مقدمة اهتمامات الرئيس الجديد مع التهديد والوعيد. وكذلك هو الأمر في الانتخابات الفرنسية والانتخابات الألمانية. والأمر عينه في السياسة البريطانية، ناهيك عن روسيا وتوغّلها العسكري والسياسي في المنطقة، بالاضافة الى ايران وتركيا وإسرائيل. وكل هؤلاء يتحدّثون عن أمر واحد بالغ الوضوح، مما جعل بعض اللبنانيّين الاغبياء يسارعون الى تنشيط الرهانات والأحلام بالاستفادة من تلك الحرب المدمّرة والقادمة خلال أسابيع الى المنطقة، والتي قد تشبه الحرب العالمية على الارهاب. وكنت أتمنى ان ينشغل اللبنانيّون بلمّ الشمل ومحاولة فهم تأثيرات تلك الحرب على بلادهم واهلهم ومستقبلهم، وذلك اضعف الإيمان. ويبقى السؤال: هل يوجد في لبنان حكماء؟