Site icon IMLebanon

لبنان بين الظاهرة والمظاهرة والحوار؟

رغم التسليم بأن «الحالة» اللبنانية معقدة جدا وصعبة على الوصف والتحليل، لا بد من التوقف عند تطوراتها الأخيرة ونعني مظاهرات ما سمي بالمجتمع المدني، استنكارا لما وصلت إليه بعض الأزمات الحياتية اليومية، من جهة، ومن جهة أخرى تظاهرة العونيين في ساحة الشهداء، ومن جهة ثالثة، دعوة رئيس المجلس النيابي رؤساء الكتل النيابية في محاولة جديدة للحوار عساهم يتوصلون إلى الخروج من المأزق الدستوري الميثاقي الطائفي الذي يشل معظم مؤسسات الدولة الديمقراطية والإدارية.

بالنسبة لتحرك ما يمكن تسميته بـ«المجتمع المدني» غير المنتمي إلى الانقسامات الحزبية والطائفية التي تشل الحكم منذ عشر سنوات. والذي يضم – واقعيا – عددا أكبر بكثير ممن نزلوا إلى الشارع، فإن ولاءه وأمانيه ينبعان من وطنيته ومواطنيته، لا من الانجذاب إلى هذا التيار السياسي أو ذاك. أو إلى هذه «الجهة» الإقليمية أو الدولية تلك. إلا أنه يخشى من أن يحل بهؤلاء المواطنين المدنيين الأحرار ما حل بزملائهم في الدول التي عصف بها الربيع العربي، أي سرقة ثمار الانتفاضة الشعبية منهم، من قبل قوى أو أحزاب أو جماعات سياسية منظمة ومسلحة ذات أهداف بعيدة جدا عما يطالبون أو يحلمون به. هذا لا يعني أن عليهم حماية حركتهم ممن قد يسرق أمانيهم ويحولها إلى أداة لتحقيق غاياته. وليس ذلك بالأمر السهل في بلد تتنافس على حكمه أو استغلاله دول وأحزاب ومحترفو سياسة في جعبتهم أكثر من حجة ووسيلة وسلاح للوصول إلى الحكم، وتسخيره لمصلحتهم السياسية أو الشخصية.

أما بالنسبة لتحرك الجنرال عون ومظاهرات أنصاره، فالحكم له أو عليه يختلف كثيرا عن الحكم على ظاهرة تحرك المجتمع المدني. من حيث الحجم والشعارات والأهداف. فلا أحد ينكر على الجنرال عون شعبيته في الأوساط المسيحية، التي أوصلت عددا محترما من النواب إلى المجلس. ولكن الشعارات الطائفية التي يرفعها والتهم التي يكيلها على «حكم» شارك فيه حزبه، ولا يزال، فإنها لا تخدع أحدا، بل إنها تفتح أمام لبنان واللبنانيين أبواب فتنة سياسية طائفية وطنية لا يعرف مآلها. والطريق الذي يرسمه للإصلاح والتغيير قد ينقلب إلى تدهور بلبنان نحو أزمات ومحن، مائة مرة أفدح وأخطر مما يعاني منه اليوم.

أما بالنسبة لطاولة الحوار الجديد بين الزعماء فلا اعتراض عليها مبدئيا وعمليا. وذلك لسبب بسيط وهو أن ثلاثة أرباع الشلل الحكومي والنيابي بات مرشحا للتحول إلى شلل كامل إذا بقيت الجمهورية دون رئيس، والمجلس النيابي شبه مشلول أو إذا استقالت الحكومة الحالية أو تعطلت اجتماعاتها.

ولكن ما هو حظ هذا التحاور الجديد من النجاح أو بعض النجاح؟ ضئيل بل ضئيل جدا. ففي الطائف كان وراء النواب اللبنانيين خمسة عشر سنة من الحرب الأهلية والمبارزة العربية – العربية على أرضه، وكان هناك التقاء بين دول كبرى ودول إقليمية نافذة على إنهاء الحرب اللبنانية.. وفي الدوحة كان هناك «صفقة وفاق كاذب تظاهر بعض المجتمعين بقبول الحل دون أن يتخلى ضمنا عن أهدافها الحقيقية، وهي تتعدى بكثير مجرد انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف «حكومة اتحاد وطني». والدليل هو ما شهدته السنوات التي تلت تسوية الدوحة من مهازل – بل مآسٍ – سياسية حزبية وطائفية مغلفة بشعارات المقاومة والإصلاح.

ولكن على الرغم من ضآلة حظ نجاح هذا الجولة الجديدة من الحوار، لا سيما وأن النزاعات الإقليمية التي بات لبنان مسرحا إضافيا لها ومصيره، بالتالي مرهونا بنتائجها، لا تزال قائمة بل ومحتدمة، إن لم تكن السبب الحقيقي وراء ما يتخبط فيه لبنان من محن وأزمات.. فإن كل الأبواب والنوافذ ليست مغلقة أمام المتحاورين. ومن هذه النوافذ انتخاب رئيس للجمهورية. وهنا لا بد من مصارحة فريق 14 و8 آذار بأن وصول مرشحيهما للرئاسة صعب جدا، بل مستحيل في الظروف الراهنة، ولكنه ليس مستحيلا الاتفاق على مرشح مستقل عنهما. والطائفة المارونية غنية بالرجال الأكفاء المستقلين وأقوياء الشخصية. فحل عقدة رئاسة الجمهورية، هي البداية السياسية لحلحلة العقد الأخرى وربما للتفاههم على الإصلاحات الانتخابية النيابية، وتطبيق ما لم يطبق من اتفاق الطائف، وما يمكن توضيحه في مجال صحة وسلامة تطبيقه. أما العقد الكبار، ونعني سلاح حزب الله، ودور لبنان في المنطقة، ومقاومة الإرهاب والعلاقات اللبنانية – السورية، فستظل معلقة إلى أن تركد موجة العنف والجنون التي تعصف بالشرق الأوسط والعالم العربي. ولا ريب ولا خلاف على أنه من الأفضل للبنان أن ينتظر استقرار المنطقة، وهو في حال أخف توترا وأقل غرقا «بالزبالة» وأوفر كهرباء وأحسن أمنا، مما هو عليه اليوم. أو مما سيصل إليه إذا فشل الزعماء السياسيون في التفاهم على مخرج من المحنة الراهنة؟

أما المجتمع المدني الذي خرج إلى الشارع مطالبا بحقوقه وبأن تزال النفايات المتراكمة في شوارعه، وبأن تعود الكهرباء إلى المنازل، وأن تنقذ الإدارات العامة من الفساد، فإنه مدعو إلى الاستمرار في إثبات وجوده وفي تنظيم صفوفه وفي تنمية وسائل تواصله وإعلامه، عسى يتوصل إلى التأثير على «الشعوب الطائفية» اللبنانية، لإقناعها، يوما ما، بانتخاب نواب يمثلون أمانيه الوطنية والإصلاحية الحقيقية. متخلين أمام صناديق الاقتراع عن ولاءاتهم الشخصية وحزازاتهم الطائفية.