تجاهل فرنسا لدور «حزب الله» بتعطيل تشكيل الحكومة موضع تساؤلات واستفسارات
لوحظ ان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان حمّل كل الأطراف السياسيين مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة من دون تفرقة أو تمييز بين من عمل وسعى بكل جهد لتسهيل التأليف وتنفيذ المبادرة الفرنسية وبين الذين عطلوا ووضعوا العصي في الدواليب منذ طرح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مبادرته لحل الأزمة اللبنانية نهاية الصيف الماضي.
هذه المواقف التي اعلنها الوزير الفرنسي بتحميل كل الأطراف مجتمعة مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة مع علمه ومعرفته بأن تحالف «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، هو من تولى منذ البداية عرقلة المبادرة وعطل تنفيذها على الأرض، أحدث استياءً واضحاً، ليس لدى الرئيس المكلف سعد الحريري فحسب، بل لدى أطراف عدّة ولدى شرائح واسعة من اللبنانيين، وأدى إلى تداعيات سلبية، أثارت شكوكاً وتساؤلات عن ابعاد مواقف الوزير الفرنسي هذه وتأثيرها على تنفيذ المبادرة الفرنسية، بل اكثر من ذلك أعطت انطباعات ومشاعر تشاؤمية تؤشر إلى صعوبة أو حتى استحالة في تنفيذ المبادرة الفرنسية بالقريب العاجل.
فلماذا تفادى وزير الخارجية الفرنسية تسمية الأطراف والجهات التي عرقلت تنفيذ المبادرة الفرنسية وساوى بين كل الأطراف مع بعضها البعض؟
تذهب بعض الجهات إلى تفسير مواقف الوزير لودريان التي تساوي كل الأطراف مع بعضها البعض بالقول بأنه يسعى إلى ممارسة ضغوط على الجميع من دون استثناء لحملها على تقديم التنازلات مهما تكن حتى ولو كانت على مرتكزات ومضمون المبادرة الفرنسية لتحقيق نجاح تنفيذها بأسرع وقت ممكن بعد ان طال أمد التنفيذ أكثر مما هو متوقع مع بروز صعوبات وتعقيدات عديدة لأجل توظيف هذا الإنجاز في موقع فرنسا الإقليمي ودورها المؤثر في لبنان والمنطقة من جهة، أو في الداخل الفرنسي غداة التحضيرات للانتخابات الفرنسية المرتقبة وإعطاء قوة دفع إضافية للرئيس الفرنسي في معركته المقبلة لولاية جديدة.
لودريان ساوى كل الأطراف ببعضها في سعي لممارسة الضغوط على الجميع لحملها على تقدي تنازلات
وفي المقابل ترى جهات أخرى ان وزير الخارجية تجنّب أو تجاهل عن عمد الإشارة أو إلى تحديد مسؤولية «حزب الله» عن العرقلة والتعطيل منذ بداية طرح المبادرة وحتى اليوم مع علمه اليقين بمسؤوليته المباشرة وغير المباشرة عن هذا الأمر، ما أثار شكوكاً عن أسباب هذا التجاهل، أكان للاحتفاظ بعلاقة جيدة مع الحزب خلافاً لباقي حلفاء فرنسا وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية أو لعدم تأثير أي موقف سلبي يتخذه بهذا الخصوص لعلاقة فرنسا مع إيران في غمرة المفاوضات الجارية حالياً حول الملف النووي الإيراني، وما يمكن ان ينتج عنها من تفاهمات تعيد علاقات بلاده معها على كل المستويات ولا سيما منها الاقتصادية.
ولكن من الواضح ان مواقف لودريان، لم تلقَ وقعاً مقبولاً لدى كل الأطراف، المؤيدة والداعمة بقوة لتنفيذ المبادرة والتي ما تزال متمسكة باعتمادها وتنفيذها وفي مقدمتهم الرئيس المكلف، أو القوى والأطراف الرافضة ضمناً لهذه المبادرة والتي بادرت إلى تعطيلها وهي تحالف «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» لأنها تتعارض في جوانب عديدة مع نفوذها وتأثيراتها وامتداداتها الإقليمية ومصالحها المحلية.
فهذا التجاهل الفرنسي المتعمد لدور «حزب الله» في عرقلة تنفيذ المبادرة الفرنسية، مباشرة أو مداورة، منذ بداية طرحها، واعتبار ان الحزب متعاون حكماً لتنفيذها استناداً إلى موقف النائب محمّد رعد في لقاء الأطراف كافة مع الرئيس الفرنسي بقصر الصنوبر، ومحاولة وزير الخارجية الفرنسي المراهنة على دور الناشطين والجمعيات والشخصيات من المجتمع المدني بالتأثير بموازين القوى السياسية بالانتخابات النيابية المقبلة، وضع المبادرة الفرنسية في مهب الشكوك وعدم القدرة على تنفيذها في وقت قريب، كما كان مرتقباً، مقابل اهتزاز علاقة أطراف عديدين بفرنسا، ما يعني ان أزمة تشكيل الحكومة الجديدة قد تطول أكثر مما هو متوقع، الا إذا اقتنعت القوى والأطراف كلها بعدم جدوى فرض الشروط والمطالب التعجيزية لتحسين مواقعها، وبأن تجيير تشكيل الحكومة في إطار الصفقة المرتقبة بين إيران والولايات المتحدة يزيد من تعقيدات الأزمة ولا يسرع في حلها.