لم يعترض ممثلو فريق الممانعة في مجلس النواب على رسالة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان. ولِمَ الاعتراض؟؟ فجوابهم موحدٌ بالنسبة إلى المشاريع ذات الأولوية المتعلّقة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة، وحتى إلى أبد الآبدين. أمّا عن الصفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلّي بها، فهي بديهية وترتبط ارتباطاً عضوياً بالمشاريع، ويجسدها سليمان فرنجية… إمّا الإصلاح والدستور واعتمادهما مقياساً لتتم عملية الانتخاب… إمّا القرارات التي تُبقي لبنان في مدار الشرعية الدولية والحضن العربي، فهي بدع تخفي مؤامرة موصوفة، وهدفها «طعن المؤامرة في ظهرها».
والأهم أنّ هذا الجواب سيُكتب بلغة خاصة بالممانعين بمعزل عن القانون والدستور، وعلى لودريان أن يتوافق معها ويجيد فكّ حروفها. عليه أن يُسلِّم بأنّ المكتوب، حتى الساعة، ينص، ليس فقط على عدم التعرض لقدسية سلاح «المقاومة» الذي لا يقتصر على الآليات والبنادق وكواتم الصوت، والمسيرات، والمدافع، والصواريخ… وإنّما يشمل حماية هذا السلاح وشرعنته، وليس البحث في استراتيجية دفاعية، بل بتغييرٍ للدستور لتنفيذ هذا الهدف، وأيضاً حماية شبكات الاتصالات غير الشرعية والتجسس على الشبكات الشرعية وتبييض الأموال وتدفق «الفريش دولار» والمخدرات وحملات الافتراء على دول الخليج في سلوك غير مفهوم، بالمقارنة مع مسار الاتفاق السعودي/ الإيراني وصولاً إلى الزيارات الرسمية المتبادلة وفتح السفارات…
في المسألة علامات استفهام قد تربك «مسيو» لودريان، لا سيما إذا حاول الربط بين التطورات الإقليمية والإملاءات التي يتم تغليفها بدعوات إلى حوار عقيم وأجوف لفرض فرنجية عوض تطبيق الدستور وتحويل مجلس النواب إلى هيئة ناخبة.
وقطعاً، يتابع لودريان هذه المعطيات. وعلى الرغم من تعقيداتها، يحاول الاجتهاد في مسعاه، انطلاقاً من الضرورة القصوى للخروج من الطريق السياسي المسدود. يتحدث عن الثقة، مع أنّه سمع من المعارضين وبعض التغييريين عن طلقات لطالما تمّ تسديدها إلى الصدر والعيون لنسف إمكانية التغيير وفرض النفوذ واستمرارية المنظومة بالحديد والنار والاغتيالات عندما يلزم الأمر، وتطيح كل القواميس لتفسير ماهية الثقة.
وربما يعرف أيضاً أنّ عطلة آب لم تمر بسلاسة على «حزب الله» الخائف من تطبيق الدستور إذا لم يحصل على شروطه لتجنب الطعن في الظهر. فهذه العطلة كشفت تراكم ضعف في الإداء الداخلي لـ»الحزب»، سواء في وادي الزينة مع اشتباك هامشي وسرايا المقاومة، ومع موقعة كوع الكحالة، وحتى مع غاضبين في عين قانا، ومع مهزلة قرار هيئة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ومع الالتفاف الشعبي حول من شملهم، ما دفع المجلس إلى لملمة هذه المهزلة والتراجع عنها ولم يكد يجف حبر قرارها.
أمّا عن زيارة وزير خارجية إيران إلى المملكة العربية السعودية، فهي تكشف التباساً إضافياً، لا سيما مع تبرع إعلام الممانعة بزرع ألغام ليس واضحاً أين ستنفجر وبمن، وفيها ما يوحي بأنّ الذراع اللبنانية لهذه الممانعة إمّا مارقة ومتضررة من الاتفاق أو أنّها تنفذ أجندة باطنية، قد تظهر نتائجها في الوقت المناسب وفي الظروف المناسبة إقليمياً.
وهذه المعطيات تبيّن أنّ أجوبة الممانعة على أسئلة لودريان لن تكون إلا انشائيات في العموميات. في المقابل لن تستطيع المعارضة إلا مواصلة الصمود السلبي، وما دام الحل رهين فائض القوة وفائض السلاح غير الشرعي.
وبناء على معادلة التصويب على الصدر بحجة الخوف من الطعن في الظهر، قد يعجز الموفد الفرنسي عن تلبية المطلوب لإنقاذ لبنان من الاستعصاء وحفظ مصالح بلاده مع المحور الممانع.