كان ينقص وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أن يردد الهتاف الشهير بعد بيانه الصحافي إثر اجتماعه مع وزير الخارجية ناصيف حتي: “هيلا هيلا هو…” وتعرفون البقية.
الأرجح أن عيني لودريان نطقتا سأماً من تعداد رئيس الحكومة حسان دياب “إنجازاته” في الإصلاحات. وأخذ يضرب أخماساً بأسداس للتأكد من أنها باتت 98 أو 99 في المئة مما نفذته الحكومة منذ أن أعلن عن الـ97 في المئة في شباط الماضي. أما السفير بيار دوكين فمن الطبيعي أن تحمرّ وجنتاه جراء تذاكي من شارك وزيره في الاستماع إليهم.
قمة الإنكار، أن يطلب المسؤولون اللبنانيون من الضيف الفرنسي دعم بلاده في موضوع الكهرباء، كأن الحديث عن إصلاح هذا القطاع بدأ معهم وكذلك سائر الإصلاحات، تنتهي عندهم، فيما هو يقول لهم، بعدما أتحفونا بتعيين أعضاء مجلس إدارة الكهرباء من دون رئيسه على أنه انتصار كبير، بالعلن كما في السر، أن ما تحقق على هذا الصعيد “غير مشجع على الإطلاق”. وذروة إدارة الأذن جاءت في الحديث عن محاربة الفساد، في وقت يعرف لودريان وفريقه التفاصيل عمن وكيف وأين تتم تغطية الموبقات المرتكبة سواء بالقوانين أو بالصفقات السياسية أو بالقوة القاهرة أو بالحقوق الطائفية والميثاقية…
مثل سائر الدول التي تبدي شفقة على ما آل إليه إفقار المجتمع اللبناني، تقدم فرنسا مساعدة إنسانية أعطت فيها الأولوية، للتعليم الفرنكوفوني ما يميزها عن غيرها، إضافة إلى المساعدة الطبية… فيما دعم اقتصاده مرتبط بالشروط المعروفة “منذ زمن طويل”. أما سياسياً فإن الضيف الفرنسي يتحرك من زاوية مصلحة باريس في الإفادة من الموقع الوحيد الذي تتمتع فيه بدور فعال قياساً إلى سائر دول المنطقة، ولذلك يمكن للبنان الإفادة من دعمها التجديد لقوات “اليونيفيل” من دون تعديل في مهامها، مقابل الإصرار الأميركي على هذا التعديل.
زيارة لودريان، الذي ذكّر “كافة المسؤولين اللبنانيين” بنصيحة “احترام مبدأ النأي بالنفس عن أزمات المنطقة”، تؤهل فرنسا لأن تتقدم الدول المعنية بأي تسوية داخلية – إقليمية – دولية تعالج أزمته السياسية واختلال التوازن فيه بسبب إخضاع “حزب الله” ساحته لمتطلبات انخراطه بالحروب العربية تحت المظلة الإيرانية. وإن لم يكن موضوع تسوية كهذه مطروحاً خلال الزيارة، لأنه متصل بمعادلة الصراع الدولي ولا سيما الأميركي الإيراني، فإن مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي ليست منعزلة عن تشاور فاتيكاني أوروبي أميركي حول موقع لبنان.
سيكون على اللبنانيين أن يختاروا مستقبلاً، كيفية التعاطي مع مبادرة الراعي والمدى الذي ستذهب إليه، والصراع السياسي الذي أطلقته مع القيادات الشيعية و”حزب الله”، وسط تشعب القراءات حول نوع الحياد المطلوب. ولفرنسا رأيها حكماً ومعنية بما يطرحه الراعي.
فالدوائر الضيقة في بعض الأوساط تتناول فكرتين: الأولى أن تدعو البطريركية إلى مؤتمر وطني للقيادات اللبنانية كافة طالما يصعب على الرئيس ميشال عون جمعها، من أجل بحث اقتراح الراعي. وهي الفكرة التي يتردد أن عون يحبذها وطرحها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل حين زار البطريرك موفداً من “حزب الله” من أجل تجنب تدويل الصراع. والثانية تقضي بالتفتيش عن دولة أوروبية محايدة يلتقي فيها الفرقاء اللبنانيون والدول الكبرى ودول الإقليم لبحث تحييد لبنان، لأن بلوغ هذا الخيار ليس محلياً.