Site icon IMLebanon

هذه خفايا زيارة لودريان إلى «الضاحية»!

 

كانت لافتة للنظر زيارة «الضاحية» التي قام بها وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان في جولته اللبنانية، وهي المنطقة التي ينظر إليها الغرب في شكل عام بحذر يصل الى درجة القلق مع اعتباره لها مقراً رئيسياً لـ«حزب الله».

 

أكد الضيف الفرنسي منذ ما قبل الزيارة حين وضع جدول جولته اللبنانية، عدم الولوج في لقاءات سياسية على النمط الأميركي في جولات مسؤولي الادارة في واشنطن القادمين من الخارج الى لبنان والذين يشرعون عادة في زيارات ذات طابع سياسي ينتقونها بدقة. وهو بذلك أراد رفع الحرج عنه عبر عدم لقاء الحزب الذي تحتفظ باريس بنظرة خاصة له تختلف فيها عن نظرة واشنطن وغيرها الذين لن ينظروا بعين الرضا الى لقاء مسؤول فرنسي كبير مع حزب مصنف إرهابياً، ولودريان للمناسبة مستمر في الحكومة بعد أن تولى قبلها وزارة الدفاع وقد تردد إسمه سابقاً للترشح لرئاسة الحكومة الفرنسية. ففي العلن، تُميز باريس بين «الجناحين العسكري والسياسي» للحزب، بينما ذهبت الإدارة الأميركية الى استعداء الحزب بأركانه كافة، علما أنه ليس التمايز الوحيد بين الجانبين في النظرة الى قضايا المنطقة عموما ومقاربة العلاقة مع «محور المقاومة» خصوصاً.

 

خطة دعم لماكرون

 

حط وزير أوروبا والشؤون الخارجية في الضاحية الجنوبية بناء على طلبه على أن يكون اللقاء في حارة حريك، علما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد اختار زيارة مركز المؤسسة في عين الرمانة قبيل وصوله الى سدة الرئاسة.

 

كان عنوان الزيارة «مدني» لمؤسسة غير طائفية تنشط إنسانياً، لكنها جاءت بعلم الحزب وبتنسيق مع جهات أمنية رسمية تولت حراسة الزيارة، في ظل انتقادات من قبل معارضي ومخاصمي الحزب من الأطراف التي اعتبرت أنها تمثل المحور الذي يجب على باريس التواصل معه في الزيارة.

 

لقاء الضاحية الذي استضافته «مؤسسة عامل الدولية» ورئيسها الدكتور كامل مهنا، يأتي في إطار الحرص الفرنسي على التواصل مع المؤسسات الإنسانية والتنموية التي تشترك في عملها مع مؤسسات فرنسية وغربية.

 

لكن الأهم كان ما سمعه لودريان داخل جدران المبنى في حارة حريك المنطقة الخاضعة دوماً للأحكام المسبقة. ويشير مهنا لـ«اللواء» الى أن فرنسا التي يمثل لبنان بوابتها الى الشرق تأتي زيارة وزيرها في إطار اظهار دعمها لهذا البلد، «وقد علمنا أن الرئيس الفرنسي ماكرون لديه خطة لهذا الدعم عبر بلاده وأصدقائها»، في ظل ما يحكي أميركيا عن شعار «لا إنهيار ولا إستقرار» وحديث حتى في أوساط فرنسية ناهيك عن الأوروبية، عن «أفغنة» و«صوملة» لبنان!

 

وسمع الوفد الفرنسي برئاسة لودريان والذي ضم السفير في لبنان برونو فوشيه وممثلين عن مؤسسات مختلفة بما في ذلك وزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية والوكالة الفرنسية للتنمية، كلاماً صريحا حول خطورة انفلات الامور في لبنان وانعكاس ذلك على أوروبا القريبة جدا من بوابة قبرص في حال حصل نزوح جماعي للاجئين ستكون القارة العجوز هدفه الرئيسي «وهي التي لا تبعد أكثر من ساعتين ونصف الساعة عبر الباخرة عنا»، لذا لا مصلحة لأحد بذلك كما يؤكد مهنا. فلبنان قدم نموذجا الى العالم عبر استقباله مليونا ونصف مليون نازح ما يوازي 170 مليونا في الإتحاد الأوروبي نسبة الى عدد السكان، وهو كلام سبق للودريان أن سمعه في لبنان خلال توليه وزارة الدفاع الفرنسية في فترة الرئيس فرانسوا هولاند، علما أن بلاد أوروبية لجأت الى إقفال حدودها في وجه النازحين.

 

غضب.. وإيجابية

 

من ناحيته، كان لودريان إيجابيا، لكن هاجسه بقي يتمثل، برغم تطمينات أو وعود المسؤولين اللبنانيين الذين إلتقاهم، في الإصلاح.

 

هنا كان الضيف الفرنسي غاضباً من وعود لم تتحقق، وكان اقتراح مقابل ممن إلتقاهم لودريان في توزيع المساعدات مباشرة على المعنيين على غرار تلك التي قُررت الى 48 مؤسسات التربوية وتشمل نحو 22 ألف تلميذ في اطار الخمسين مليون أورو التي حددتها باريس للمساعدات. «فلبنان كالمريض في العناية الفائقة ويجب علينا تجنيبه الموت ونحتاج الى المساعدات حتى قبل الإصلاحات التي قد تتأخر» حسب مهنا.

 

كما سمع الوزير الفرنسي كلاما حول ضرورة تمايز فرنسا، التي تعرف المنطقة عن كثب، عن سياسة غربية أميركية قد تؤدي الى الإنهيار وتريد تدفيع الشعب الثمن. وقد كان إيجابيا ووعد بأخذ ذلك بعين الإعتبار، لكن الهاجس الأهم بقي حول عدم تلبية لبنان لوعوده التي ستمهد بدورها لمساعدات مؤتمر «سيدر».

 

من الواضح أن الاهتمام الفرنسي، وهو ليس طارئا، يتمحور حول حماية النموذج اللبناني المتنوع ومنع إنهياره. ولتأدية دورها في البلد هي ليست في وارد مقاطعة أركانه كافة ومنهم لاعبه الأبرز «حزب الله». وحسب متابعين للزيارة فإن العلاقة الفرنسية مع الحزب تصنف بـ«الجيّدة» ويريدها الطرفان والتواصل مستمر، وإن لم يتخذ دوما الوتيرة نفسها.

 

وتبدو باريس واضحة في تميزها عن الادارة الاميركية الحالية في مقاربة ملفات المنطقة، لكن من دون الاختلاف معها. وثمة من يلفت النظر الى أن واقع الحزب في لبنان يفرض على فرنسا مراعاته، من دون ربط ذلك بعلاقتها المتذبذبة وحتى السيئة أحياناً، مع إيران، ولودريان نفسه إحتفظ بالموقف المتماهي مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدى اغتيال القائد العسكري الايراني قاسم سليماني في بغداد أوائل العام الحالي.

 

تدرك باريس دقة الوضع اللبناني خاصة في هذه المرحلة، وهي التي تحتفظ بقوة كبيرة في إطار القوات الدولية «اليونيفيل» في الجنوب وتخشى عليها من أي تطور دراماتيكي في منطقة ملتهبة بالأحداث، وهو ما يفسر تأييد فرنسا لحياد لبنان بمعنى نأيه بنفسه عن معارك المنطقة التي يرتبط مستقبل لبنان باستقرارها.