ليس من موقع التهجّم، على وزير خارجية فرنسا، ولكن من موقع النصيحة، وبخاصة لأنّ فرنسا قيّمة بالنسبة للبنان. كما يشعر معظم اللبنانيين وبالأخص المثقفين، ويعتبرونها الأم الحنون. كما ان اللبناني يفتخر بأنه تابع لأمّه الفرنسية، بالثقافة والعِلم، وأنه حضاريٌ مثقف يعرف كيف يعيش.
منذ اللحظة الأولى، للزيارة الأولى التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد الانفجار الذي قتل أكثر من مائتي مواطن لبناني، ذنبهم الوحيد أنهم يسكنون قرب المرفأ.. كما أنّ تلك المنطقة تعتبر من المناطق «المستورة»، إذ أنّ منطقة المدوّر والكرنتينا فيها عدد كبير من ذوي الدخل المحدود، أي ان المنطقة ليست كالأشرفية وبالأخص منطقة السراسقة حيث يوجد أجمل البيوت والقصور الجميلة والتاريخية، كما أنّ هناك عدداً كبيراً من البيوت الأثرية…
جاء الرئيس الفرنسي بهدف مساعدة اللبنانيين، وجمع في قصر الصنوبر جميع السياسيين اللبنانيين بمَن فيهم أعضاء ونوّاب من «الحزب العظيم»، واتفقوا على تشكيل حكومة اختصاصيين ليس فيها أي سياسي، وكان الحديث بالعموميات، ثم عاد الى بلاده وأعطى فرصة أسبوعين، ليعود بعدها الى بيروت في أيلول ويعقد جلسة ثانية مع جميع الفرقاء اللبنانيين، واتفق الجميع على شكل الحكومة. لكن «الحزب العظيم» أبدى ملاحظة حول الانتخابات النيابية المبكرة، إذ برأيه، يجب أن تكون قبل 1 أيلول 2021.
بعد عودة الرئيس الفرنسي الى بلاده، بدأت رحلة العذاب مع الرئيس المكلف خصوصاً أنّ ما يُسمّى بالثلث المعطل، برز فجأة وإن نسينا، علينا أن لا ننسى إطلالة السيّد حسن نصرالله التي أعلن فيها عدم الموافقة على الحكومة، لأنه وضع شرطين: الأوّل العدد يجب أن يكون 24 وزيراً، والثاني حكومة مطعّمة بالسياسيين كي يؤمّنوا لها الحماية. لكن الحقيقة أنّ الموافقة الإيرانية لم تأتِ سيما وأنّ إيران التي دفعت حوالى 70 مليار دولار على «الحزب العظيم» منذ عام 1983، باستثناء الأسلحة والصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة، ومليارات أخرى كرواتب ومصاريف و»أكل وشرب» كما أعلن ذلك السيّد نفسه أكثر من مرّة.
انطلاقاً من موقع «الحزب العظيم» بالنسبة لإيران التي تتفاوض مع أميركا والدول الخمس، حول الملف النووي لا تزال بحاجة الى الورقة اللبنانية وذلك نظراً لأهمية هذه الورقة بالنسبة لإسرائيل.
صفوة القول إنّ إيران لن تسمح بتشكيل حكومة تعطي الاستقرار، لتنقذ لبنان من محنته وانهياره اقتصادياً ومالياً، والمصيبة الكبرى انهيار العملة الوطنية أمام الدولار بشكل مخيف.
لن تسمح إيران بتشكيل حكومة إلاّ بعد اتفاقها النووي مع أميركا، وهذا هو لبّ الموضوع.
والمصيبة الثانية هي أنّ رئيس البلاد يعيش كما كتبت أكثر من مرة في كوكب آخر، غير كوكب الأرض. ولا أدري هل هو يعيش في زحل أو المريخ… لأنه فعلاً لا علاقة له أو لا اهتمام يبديه إزاء كل المصائب والكوارث التي يعاني منها اللبنانيون. إضافة الى ما حصل في عهده القوي، إذ أصبح سعر صرف الدولار 15 ألف ليرة لبنانية لا غير هذا أولاً…
ثانياً: انهيار الوضع المالي حيث أصبح دين الدولة 90 مليار دولار أميركي.
ثالثاً: انهيار القطاع المصرفي بسبب تمنّع الدولة عن تسديد ديونها للبنوك، وهي الأموال التي استدانتها… كذلك الحال بالنسبة لليوروبوند حيث رفض البطل «أبو المراجل» أن يدفع السندات من دون أن يتحدّث مع أصحاب الديون. وهذا شكل ضربة مميتة للقطاع المصرفي ولعلاقاته مع دول العالم.
رابعاً: الكهرباء ومشاكلها التي لا تُعد ولا تُـحصى… من الفيول وشرائه بالدولار، الى مصادرة «الأبلا» غادة عون للبواخر والإفراج عنها طبعاً حسب تعليمات ومصالح «الصهر»… وخسائر هذا القطاع التي بلغت 57 مليار دولار، من دون بناء معامل جديدة أو خطوط نقل أو استعمال الغاز لتوفير مليار وخمسماية مليون دولار سنوياً لأنّ «الصهر» ابتدع مصيبة جديدة غير البواخر، ألا وهي بناء محطة تغويز في سلعاتا بكلفة 500 مليون دولار مع معامل جديدة بكلفة 500 مليون دولار أخرى وشراء أراضٍ بأسعار خيالية من أجل تحقيق أرباح إضافية نتيجة «عمولات» المعامل.
وفوق هذا كله، فإنّ المصائب ظهرت كما كشف نائب رئيس مجلس النواب الاستاذ إيلي الفرزلي الذي استقال من كتلة «لبنان القوي» لأنه لم يعد يتحمّل انهيار الوطن اقتصادياً ومالياً وبسبب الهجرة الكبرى التي أصبحت هاجس المواطنين… وهنا لا بد من الإشارة الى هجرة العقول والأطباء اللبنانيين الذين كانوا من أهم الأطباء في لبنان. والمصيبة الأكبر أنّ من أهم مزايا لبنان أنه كان مستشفى العالم العربي، ومدرسة العالم العربي، ومعلم العالم العربي ومعظم الطبقة الحاكمة في العالم العربي هي من خريجي جامعات لبنان.
وما كشفه الرئيس الفرزلي أيضاً هو مخطط «الطفل المعجزة» وعمّه ومؤداه أنّ الذي يستطيع إنقاذ البلد حكومة جديدة برئاسة شخص غير الرئيس الحريري لأنه رفض تلبية مطالب «الصهر»، وهذا ما وضع لبنان أمام خيارين: الفوضى والانهيار أو فرصة إنقاذ يكون بطلها جبران باسيل.
أخيراً، نقول لأمنا الحنون إنّ المشكلة اللبنانية بعيدة عن الحل، لأنّ مفتاح الحل هو في طهران لا في بيروت.