لم تنجح محاولات الأطراف السياسية المتكررة، في سبر أغوار الموقف الفرنسي الذي يحمله في جعبته، موفد الرئيس إيمانويل ماكرون، وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، إذ أن أكثر من شخصية اجتمعت به قد جزمت بأنه لم يعرض أية أفكار أو مقترحات قد تشي بالمستجدات التي طرأت على موقف باريس بعد القمة الفرنسية – السعودية الأخيرة، وهو ما جعل من الأيام الثلاثة التي أمضاها لودريان عبر لقاءات متواصلة مع رؤساء الكتل والمرجعيات السياسية، إضافةً إلى محطته في بكركي، مساحةً من أجل تبادل الأفكار حول الإستحقاق الرئاسي ولكن من دون أن يصدر عنه أي تلميح أو إشارة إلى ما ينتظر الإستحقاق الرئاسي في المرحلة المقبلة وذلك لجهة المقاربة الفرنسية للملف اللبناني عموماً وليس فقط الملف الرئاسي. ووفق أوساط نيابية مواكبة للمحادثات التي دارت مع الزائر الفرنسي، فإن لودريان قد حرص على طمأنة المعنيين في المجلس النيابي بأن زيارته هي محطة أولى وسوف تتبعها زيارات أخرى في المرحلة المقبلة، وهو ما يعكس قناعةً ثابتة لديه بصعوبة المشهد الرئاسي، وبأن الحلول ليست وشيكة.
وعليه، فإن المعلومات المتقاطعة حول الإتجاهات الفرنسية في الملف الرئاسي، تشير وكما كشفت الأوساط نفسها، إلى أن هذا الملف أمام «انتظارات» عدة، منها ما هو إقليمي ومنها ما هو دولي، وبالتالي، لن تبدأ الأجواء الخاصة بأطراف «اللقاء الخماسي»، بالتبلور إلاّ بعد عودة لودريان إلى فرنسا، خصوصاً وأن أجواءً من الغموض لا تزال تحيط بالمحادثات السعودية – الفرنسية، وهو ما قد يستدعي زيارات قد يقوم بها لودريان إلى الرياض وطهران قبل العودة مجدداً إلى بيروت.
وبالتالي، تشدد الأوساط النيابية نفسها أن لودريان، الذي استمع على مدى ثلاثة أيام للأطراف الداخلية، قد اكتفى بتوجيه الدعوة إلى النواب إلى صياغة الحل الرئاسي من خلال فتح الابواب المغلقة والتفاهم في ما بينهم.
واللافت في التصاريح التي صدرت عن لودريان، ووفق الاوساط النيابية، أنها أتت أشمل وأوضح من الأجوبة المقتضبة التي ردّ بها على كل التساؤلات النيابية التي انهمرت عليه خلال مأدبة الغداء في قصر الصنوبر، ولكن من دون أن يقدم أي طرح قد يكتسب طابع الموقف الفرنسي الرسمي، ذلك أن إنجاز الحل المنشود على مستوى انتخاب رئيس الجمهورية، ما زالت تعترضه أكثر من عقبة وأبرزها التوازن في توزيع الأصوات داخل المجلس النيابي، والذي من الطبيعي أن يؤدي إلى إفشال كل جلسات انتخاب الرئيس ومهما بلغ عددها.
ومن هنا، فإن ما يجعل من مهمة الموفد الفرنسي غير مكتملة، تتابع هذه الأوساط، هو الخلافات السياسية التي تمنع أي جهة خارجية أو حتى داخلية، من رعاية الحلول والتي لا تقتصر على الجانب السياسي فقط، إذ أن لودريان الذي زار لبنان في العام 2020 ، قد أطلق عدة نداءات للقوى السياسية، من أجل القيام بالإصلاحات الضرورية وذلك تفادياً لتسارع الإنهيارات، معتبراً في حينه أن مبادرة اللبنانيين هي الخطوة الإلزامية لكي تقف فرنسا ومعها المجتمع الدولي، إلى جانب لبنان وتدعمه. وبالتالي فإن هذه النصيحة القديمة ما زالت قائمة وهي تنطبق اليوم على الإستحقاق الرئاسي كما انطبقت على الوضع المالي، مع العلم أنه لم تتمّ الإستجابة لدعوات لودريان منذ عامين، وفق الأوساط النيابية التي تحذر من تكرار التجربة مع الملف الرئاسي اليوم.