IMLebanon

أيّ «النصابين» مطلوب: لـ«طاولة حوار» أم لـ«جلسة انتخاب»؟!

 

 

قبل ان تنتهي الجولة الثالثة للموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في الساعات المقبلة، وقبل ان يقول كلمته النهائية في ما انتهت إليه جولته سيبقى الغموض حول حجم الرهان على دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري الى طاولة حوار لتشكّل حلاً من عدمه. وطالما أنها معبر اجباري الى جلسة انتخاب الرئيس، فقد طرح السؤال عن أهمية أي من النصابين مطلوب، للطاولة ام للجلسة؟ وأيّهما متوفر؟

من المفترض ان تكون قد وفّرت الجولة التي قام بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان أجوبة عدة على مجموعة من الهواجس والاسئلة التي انتابت بعض القيادات السياسية ولا سيما في صفوف المعارضة كما التي حفلت بها اذهان بعض اللبنانيين من مشارب مختلفة، وخصوصا اولئك الذين كانوا بانتظار مبادرة ما يعود بها لودريان في جولته الثالثة على اللبنانيين. ولذلك فقد تعددت الشكوك منذ ان تسربت بعض الشعارات التي نسبت اليه في لقاءاته الأولى مع المسؤولين. ولا سيما تلك التي عبر فيها عن «تفهّمه» أو «تقديره» أو «تبنيه» لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الداعية الى طاولة حوار «الأيام السبعة» وهو ما تسبب ببلبلة واسعة في أوساط عدة تزامن انتشارها مع اتصالات مكثفة بحثاً عن العبارات الفرنسية الاصلية التي استخدمها في تعبيره قبل ترجمتها.

 

ولهذه الاسباب تعترف بعض القيادات اللبنانية انها اصيبت بصدمة فعلية منذ ان أطلقت اولى الشعارات التي نقلت على لسان لودريان، ولا سيما تلك التي قالت انه لا حل ولا مخرج مما يعيشه لبنان سوى بـ«الحوار والحوار والحوار»، وان مبادرة بري يمكن ان تكون «مخرجاً الى الحل المنشود». علماً انّ لودريان كان حريصاً على التأكيد ومنذ اللحظة الاولى التي وطأت فيها قدماه ارض لبنان انه لن يكون له اي موقف او اي تصريح او اي اقتراح قبل ان تنتهي جولته المبرمجة حتى مساء اليوم الخميس ليقرر في نهايتها ان كان سيكشف عما يقترحه.

 

لهذه الاسباب، تعززت اجواء البلبلة في مختلف الاوساط حتى اولئك الذين رحبوا بمبادرة بري كما بالنسبة الى رافضيها قد عبروا عن خشيتهم من «صدقية» ما نقل عن الموفد الفرنسي لاسباب مختلفة عن تلك التي عبّرت عنها القوى المعارضة لها. فلكل منهما أجواؤه وتمنياته وما يضمن قدرته على المضي في الاستراتيجية المعتمدة ظناً من الطرفين أنها هي التي تؤدي الى انهاء مرحلة خلو سدة الرئاسة من شاغلها وانتخاب الرئيس العتيد الذي يمكنه ان يعيد الحياة الى السلطات الدستورية ولتنتظم العلاقات في ما بينها.

 

وبناء على ما تقدم، فقد توقف المراقبون المؤيدون لدعوة بري الى طاولة الحوار أمام ما نقل عن لودريان، فهم يدركون حجم العقبات التي تواجهها ومدى قدرة الرافضين على افقادها اهميتها والحؤول دونها انتصاراً لوجهة نظرهم. فهم يدركون ان شروط بعض من وافقوا على الدعوة منذ انطلاقها في 31 آب الماضي لهم شروطهم التي تفقدها اهمية المشاركة في اي طاولة، ما لم تجمع حولها اللبنانيون مخافة ان تتحول الى حوار «الحلفاء» أو بين «قوتين غير متكافئتين» فتفتقد الى الكثير من حيويتها ورونقها قبل ان تضيع الغايات التي رسمت لها. فعملية التعداد التي أجريت وانتهت الى موافقة ما يزيد على 91 او 92 نائبا لا تكفي لاعطائها الطابع التوافقي الجامع الذي أراده صاحب الدعوة وتفتقد الى الميثاقية المسيحية ان بقي الرهان معقوداً على مثل هذه النظرية التي افقدتها «وحدة» النواب الشيعة الـ 27 وجعلت هذا المبدأ مرادفاً لكل أساليب التعطيل والتأجيل التي حالت دون الدورات المتتالية التي يمكن ان تَلي أيّ جلسة لانتخاب الرئيس وحتى انجاز هذه المهمة.

وفي المقابل، عبّر رافضو المبادرة النيابية الداخلية عن قلقهم من تصريحات لودريان الى حدود الصدمة السياسية والنفسية، فهم ممّن راهنوا على خيارات أخرى توقعوا ان يعود بها لودريان، ولا سيما رفض الدعوة الى أي طاولة حوار جامعة وموسّعة تسبق جلسة انتخاب الرئيس من اجل إلزام الرئيس المقبل مسبقا بما قد لا يكون متوفرا له ان تغيرت موازين القوى، وخصوصا تلك التي ستفضي الى تشكيل حكومة جديدة. فقد لا تلتقي ولا تنسجم مع الاجواء التي يمكن ان تفضي إليها طاولة حوار يديرها احد طرفي «الثنائي الشيعي» الذي عبّر عن عدم قدرته على رئاستها وإدارتها لمجرد أنه تحول طرفاً في الصراع الرئاسي، وهو ما أبعده عن موقعه الحيادي كرئيس للسلطة التشريعية المكلفة بانتخاب الرئيس قبل القيام بأي عمل آخر قبل ان يوجه الدعوة اليها مرة اخرى.

 

وامام وجهتي النظر هذه، تعددت السيناريوهات التي تحاكي حركة لودريان وما يمكن ان تؤدي اليه. وإزاء هذه المعادلة البسيطة أيقنَ الجميع انه لا يمكن ان ينسب للودريان اي موقف بهذه الاهمية، قبل ان يعلنه بلسانه وفي نهاية جولته. ولذلك فقد اعتبروا ما نقل عنه بأنه يحتاج الى التدقيق، فلا يمكنه بنظرهم ان يخرج على ما قال به «لقاء الدوحة الخماسي» ولا يمكن ان يقوم باي خطوة لم يجمع عليها الاطراف الخمسة. وان العودة الى بيانها الأخير الذي أصدرته في نهاية اجتماعها في 17 تموز الماضي في الدوحة لم يتحدث عن «طاولة حوار» وإن أصر عليها البعض فلتكن بإدارة واشراف الرئيس الجديد للجمهورية. وانّ على لودريان ان يعقد لقاءات ثنائية او ثلاثية ولأيام ثلاثة، على ان تستكمل بدعوة رئيس المجلس الى النواب لعقد جلسة لانتخاب الرئيس وعدم اقفال محضرها فور فرز أصوات النواب او تعطيل نصابها فتعقد سلسلة من الدورات المتتالية الى ان يتم انتخاب الرئيس.

وامام هذه المعطيات المعقدة والمتناقضة التي برزت في الساعات الاخيرة فقد توقف المراقبون أمام ملاحظات أخرى ومختلفة، وقد برز البعض منها في الساعات الاولى لبداية جولة لودريان، ومنها تلك التي قالت إنّ الرئيس بري لن يكون لا رئيسا ولا مديرا للطاولة التي دعا اليها وهو امر غريب يثير المزيد من التساؤلات حول إمكان اقلاعها. وان عقدت برئاسة اي كان، فلا حاجة للبحث عن نصاب لها فهو ليس إلزامياً كالذي يرافق عقد أي جلسة قانونية ودستورية لانتخاب الرئيس. وفي حال الإصرار عليها يمكن عقدها بمن حضر ولو كانت على مستوى «الحلفاء» و«حلفاء الحلفاء»، ذلك ان النصاب الصعب المطلوب هو لجلسة الانتخاب وعند بلوغها لم ولن يتردد رافضو عقد الطاولة من تأمين نصابها من اجل انتخاب الرئيس.

 

وعليه، هل سيكون هناك مانع من اللجوء الى مثل هذا السيناريو على بساطته؟ وهل صفت النوايا الى هذه الدرجة غير المحتسبة؟ أم ان وراء الأكمة ما وراءها. فتعقد الطاولة بمن حضر بلا نصاب لتنتهي الى جلسة انتخابية بنصابها المطلوب وبكامل مواصفاتها القانونية والدستورية لتقود تلقائياً الى إنجاح زيارة لودريان ومهمته الهادفة الى هذه الخطوة. أم انها ستبقى عاجزة لتفتح الطريق الى مجموعة من الخيارات والخطوات الاخرى اقليمية ودولية – خماسية كانت أم داخلية.