عام و 6 اشهر من التخبّط الفرنسي في الرمال اللبنانيّة… ماذا تغيّر؟!
برز وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان خلال زيارات عدة قام بها الى لبنان، منذ انفجار 4 آب، بأنه كان الاقسى بين المسؤولين الفرنسيّين، من ناحية اللوم الذي وجهّه الى اهل السلطة في لبنان، بحيث كان يكرّر مطالب بلاده في ما يخص تحقيق الاصلاحات مقابل المساعدات، ويجدّد في كل مرة اسس المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس ايمانويل ماكرون، لكن من دون ان يتحقق شيء على ارض الواقع، ما دفع بالوزير الفرنسي الى توجيه الكلام القاسي مراراً، والتهديد بالعقويات الاوروبية لكل المعرقلين، من دون أي نتيجة ما دفعه الى سحب يده من الملف اللبناني، واعلانه ذلك مراراً. لكن افيد منذ ايام بأنّ لودريان عائد الى لبنان الاسبوع المقبل، نتيجة لقاء عقده مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ، تم خلاله الاتفاق على استكمال البحث في عدد من الملفات السياسية والاقتصادية، كما حضر الملف اللبناني في ميونيخ ايضاً بين لودريان ووزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن، الامر الذي قد يفتح باباً حول نشوء اي طرح إنقاذي جديد للبنان.
الى ذلك تأمل مصادر سياسية واكبت الزيارات الفرنسية العديدة لبيروت، بعد كارثة 4 آب وانفجار المرفأ وسقوط الضحايا والجرحى، وانتشار الدمار في أرجاء العاصمة، حين زار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بيروت لمرتين، ليتصدّر الملف اللبناني طليعة الاجندة الفرنسية ولفترة طويلة، حيث كان حديث المسؤولين الفرنسيين، وضمن نطاق إنشغالاتهم السياسية، وتصريحات كبار المسؤولين لديهم، وفي طليعتهم ماكرون ولودريان، بهدف المساعدة وإنقاذ الوضع المتأزم، فتوالت الدعوات الفرنسية بضرورة تنفيذ الاصلاحات، للحصول على المساعدات وطرح مبادرة تساعد على الحلول، وصولاً الى الوعود بالحصول على مساعدات مؤتمر «سيدر» وتوابعه، لكن ومنذ آب 2020 اصبح اليأس مسيطراً في نفوس الفرنسيين، على أثر لا مبالاة المسؤولين اللبنانيين، وإعتمادهم نهج المحاصصة والانقسامات والخلافات في كل الملفات، الامر الذي ازعج الفرنسيين وجعلهم يستاؤون من مشهد اللامبالاة، ويتعجّبون من عدم اهتمام مسؤولين بمصير بلدهم المنهار.
انطلاقاً من هنا، برزت تنبيهات عدة من قبل لودريان حول ضرورة تنفيذ الاصلاحات، فأتى الرد من قبل رئيس الحكومة انذاك حسان دياب، بالقول «ان زيارة المسؤول الفرنسي لم تحمل أي جديد، وبأن لديه نقصاً في المعلومات عن الاصلاحات التي قامت بها حكومته، لان لودريان إتهم دياب بتحقيق الانجازات الوهمية فقط، خصوصاً بعد تكراره انه انهى 97 في المئة منها، ما أنتج إستياءً من قبل الجانب الفرنسي بحسب ما نقل وزير سابق، بأنّ أصداء كلامه وصلت بثقل الى مسامع الفرنسيين، فلاقت رفضاً مطلقاً منهم، خصوصاً من قبل مَن وعد ولم ينفذ أي شيء.
ولفتت المصادر نفسها الى انّ التعاطي السلبي في ذلك الوقت، حمّل لبنان تداعيات تجاهه من قبل فرنسا، ما ابعد نهائياً كل الايادي التي امتدت للمساعدة مع الشروط الاصلاحية، بهدف إنقاذ البلد من الهاوية التي يتخبّط فيها، لا سيّما بعد سحب ايادي الدول العربية من جيبة المساعدات للبنان، وكذلك الامر الدول الصديقة الغربية، ما يعني ان البلد وقف وحيداً وما زال في قلب العواصف، من دون نجدة من احد.
في هذا السياق، وبالعودة الى الفترة المنصرمة وتحديداً منذ آب 2020 ولغاية اليوم، لا بدّ من التذكير بأنه لم يبق أي مسؤول فرنسي إلا وزار لبنان، للمساهمة في إيجاد الحلول للازمات المستعصية، وصولاً الى مُنسّق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير بيار دوكان، الذي اهتم بملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، المرتبطة بالمساعدات الإنسانية والمالية، لكن كل زياراتهم لم تصل الى نتيجة، بسبب الخلافات السياسية السائدة بين اهل الحكم في لبنان، والتي كانت تقف في مرصاد كل محاولة، يقوم بها الموفدون الدوليون والعرب، والنتيجة صفر تقدّم، مع تحذير فرنسي نهائي من انها المهلة الاخيرة للإنقاذ، قبل ضياع لبنان نهائياً، ما يطرح اسئلة حول عودة لودريان بعد ايام للقيام بالمهمة عينها، إلا اذا كان يحمل في جعبته طروحات جديدة، بعد مرور عام ونصف العام من التخبّط الفرنسي في الرمال اللبنانية؟!