Site icon IMLebanon

لودريان مُحاصر بتعقيدات الداخل ومزاج الخارج المضطرب

 

التصحّر السياسي والجفاف المالي يضع لبنان أمام احتمال انفجار اجتماعي

 

في ظل التصحّر السياسي، والجفاف النقدي، وارتفاع منسوب النكد الذي تعيشه الساحة الداخلية، بدأت المخاوف تزداد من إمكانية انفلات الأوضاع من عقالها على أكثر من صعيد، وسط معرفة مسبقة بأن أي جهة في لبنان لن يكون في مقدورها وضع الضوابط التي من شأنها تجنيب الشعب اللبناني من الوقوع في رمال متحركة تطبق على أنفاسه الأخيرة.

قد تشكّل الزيارة الثانية للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بصيص الأمل الوحيد الذي ما زال يسطع في ليالي لبنان الحالكة، غير انه للأسف فان كل المعطيات التي تحيط بهذه الزيارة تستبعد أن يحقق رأس الدبلوماسية الفرنسية السابق أي خرق في جدار الأزمة الرئاسية الذي بلغ أبعد مدى من الارتفاع بفعل إصرار القوى السياسية على التمترس وراء مواقفها التي لم يستطع «اللقاء الخماسي» تليينها ولو مقدار قيد أنملة وهو ما يوحي بان الفراغ الرئاسي الذي بلغ من العمر تسعة أشهر قابل لأن يتمدد أشهر إضافية أيضا.

وفي هذا السياق فان زيارة لودريان بعد البيان الذي صدر عن اجتماع الدوحة أصبحت لزوم ما لا يلزم، فالموفد الفرنسي تحوّلت زيارته الى بيروت من تسويق لمسعى فرنسي قائم على الحوار بين القوى السياسية لإيجاد مخرج توافقي لانتخاب الرئيس، الى تلاوة ما بين سطور بيان «اللقاء الخماسي» الذي أسقط أي إشارة للحوار الذي كان يعتبر حجر أساس المسعى الفرنسي، وبالتالي فان الانقسام السياسي الذي حصل في أعقاب صدور هذا البيان هو نفسه سيتبلّغه لودريان خلال جولاته على المسؤولين، وهو سيجد نفسه مجرد ساعي بريد لا قدرة له على طرح أي أفكار خارج نطاق ما اتفق عليه ممثلي الدول الخمسة في العاصمة القطرية، وهو ما يعني ان المراوحة ستبقى سيدة الموقف الى أجل غير معلوم.

ان الرئيس الفرنسي يدرك كامل الإدراك ان بلاده ليست اللاعب الوحيد على الساحة اللبنانية لا بل ان هناك نفوذا لدول أخرى، وهو سعى ولا يزال لإشراك هذه الدول في رحلة البحث عن حل للأزمة الرئاسية، لكن على ما يبدو فان الرئيس الفرنسي فشل الى الآن في هذه المحاولة كون ان المزاج الإقليمي والدولي ما زال غير مهيّئاً لهذه المهمة وهذا يعود الى ان مشهد التوافق والتفاهمات الذي شهده مسرح المنطقة في الشهرين الماضيين لم يكتمل فصولا بعد، وان هذا من الممكن أن يتحقق في حالة واحدة وهو إنجاز التفاهم الأميركي والإيراني على الملف النووي، لان هناك من يجزم ان مفتاح الحل في لبنان يكمن في هذا التقارب الذي ان حصل ستستفيد المنطقة برمتّها منه.

وعليه فان لودريان الذي سيعاني من حرارة طقس بيروت على مدى يومين، لن يكون في مقدوره تبريد الساحة الداخلية التي تعيش حالة من الغليان، نتيجة الكباش السياسي الذي يشتدّ يوما بعد يوم، والذي لم يعد محصورا بالاستحقاق الرئاسي، بل انه تشعّب الى ملفات أخرى لا تقل أهمية كاستحقاق تعيين بديل عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي تنتهي ولايته مع نهاية هذا الشهر وما يتفرع عن هذه المشكلة من مشاكل أخرى تتعلق بمصير نواب الحاكم الأربعة وما يمكن أن يخلّفه ذلك من فوضى عارمة في السوق المالي، أضف الى ذلك عدم التوافق على ملء الشغور في بعض المراكز الأمنية والعسكرية الشاغرة وتلك التي ستشغر في الشهرين المقبلين.

من هنا، فان لودريان سيجد نفسه محاصراً بالكثير من التعقيدات المتنوعة التي ستمنع عليه أي إمكانية لابتداع أي صيغة للحل، وسيعود الى بلاده كما جاء منها، وبالتالي فان الأزمة في لبنان لن تجد الطريق السليم الذي يوصلها الى الحل المنشود، طالما ان الأفرقاء في لبنان منقسمون بين فريق يرى في المعادلة الفرنسية الحل المبتغى من خلال مقايضة رئاسة الجمهورية لسليمان فرنجية، مقابل أن تكون رئاسة الحكومة لنواف سلام وهو طرح ما زالت الروح منبعثة فيه، وبين فريق يتمسّك بالخيار الثالث، إضافة الى ان المناخات الدولية والاقليمية ما تزال غير مؤاتية لحصول مقاربة جدّية للأزمة والعمل على حلّها.

وفي هذا السياق يصف مصدر وزاري المشهد اللبناني بأنه مقفل على المستوى الرئاسي، ومفتوح ماليا واقتصاديا على كل الاحتمالات.