Site icon IMLebanon

لودريان اختار الإسراع في إعلان فشل مهمّته

 

لم يكن أحد يتوقع نجاح لودريان في مهمته الإنقاذية، وخاصة ان الأجواء بين النواب اللبنانيين تزداد تعقيدا، بل لودريان نفسه يعلم أن النجاح شبه مستحيل.

ولم تحمل زياته للبنان في الشهر الماضي أيّ مؤشر إيجابي، فبادر إلى دعوة النواب للتشاور فيما بينهم على أن يعود إليهم في شهر أيلول، لمعرفة إمكانية التوافق على برنامج ومواصفات للرئيس العتيد.

فقد وزعت السفارة الفرنسية في بيروت نص رسالة لودريان باللغتين العربية والفرنسية (مع فرق بسيط بين النصين، النص الفرنسي كتاب واحد موجّه للجميع، أمّا النص العربي فالكتاب موجّه لكل نائب بمفرده) إلى رؤساء الكتل النيابية وبعض النواب، تتضمّن دعوات للإجابة على أسئلة بشأن المواقف من الاستحقاق الرئاسي، قبل نهاية آب.

وكشفت المعلومات أن الرسالة وُجّهت إلى 38 نائباً وتتضمن سؤالين هما:

– «ما هي بالنسبة الى فريقكم السياسي المشاريع ذات الأولوية المتعلقة برئاسة الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة؟».

– «ما هي الصفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلي بها من اجل الاضطلاع بهذه المشاريع؟».

وطلبت الرسالة «إجابة السفارة الفرنسية خطّياً عن السؤالين قبل نهاية شهر آب الحالي، في إطار التحضير للقاء الموفد لودريان أثناء زيارته المقررة الى بيروت الشهر المقبل لإجراء مشاورات مع الكتل النيابية».

تبادل الرسائل بين المسؤولين أمر مألوف، ولكن صياغة الرسائل هي ما يعوّل عليها. وأستطيع أن أقول أن الفريق الاستشاري للسيد لودريان قد ارتكب أكثر من خطأ في صياغة الرسالة:

– فمن حيث البروتوكول والاحترام لمن تخاطب يجب أن لا تتضمن الرسالة ما يشبه الأوامر، مثل قوله: «طالبا إليكم، بشكل رسمي، إجاباتكم الخطية، والموجزة»، مثل هذا القول يمكن أن يقوله وزير لمدير عام أو موظف من رتبة عالية لموظف أدنى منه رتبة وليس من موفد دولة لنائب انتخبه الشعب، وكذلك مثل الطلب إليهم، وهم نواب منتخبون في بلد مستقل، توجيه ردودهم إلى السفارة الفرنسية، والطلب إليهم إيداع الجواب قبل نهاية شهر آب، وكأن لبنان مستعمرة فرنسية وليس دولة مستقلة، فهذه العبارة يمكن أن يقولها موظف في السفارة لمن يراجعه بأمر معين ولكن غير مقبولة من موفد دولة لنواب الأمة والرئيس بري مشمول بالرسالة أيضا، وقد لفت هذا الأمر النائب في مجلس الشيوخ الفرنسي السيدة ناتالي غوليه وهو ما اعتبرته حماقة للسياسة الفرنسية وازدراء للبنانيين.

– فيما يتعلق بالسؤال الأول: «ما هي المشاريع ذات الأولوية المتعلقة برئاسة الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة؟» وهذا السؤال يمكن أن يحتمل أجوبة قد تكون متناقضة، ويمكن أن يجمح الخيال للكلام عن مشاريع غير واقعية، وكان يمكن للفريق الاستشاري للسيد لودريان أن يطلب رأي النواب ببيان اللجنة الخماسية وإضافة «ما يرونه مناسبا من مشاريع إضافية».

– وبالنسبة للسؤال الثاني: «ما هي الصفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلّي بها من أجل الاضطلاع بهذه المشاريع؟» وهذا السؤال موضع استغراب، فاللجنة الخماسية حددت مواصفات الرئيس العتيد، وطرح مثل هذا السؤال هو إلغاء لبيان اللجنة الخماسية، وكان يمكن طرح السؤال بشكل آخر مثل: ما رأيكم بالمواصفات التي حددتها اللجنة الخماسية للرئيس العتيد؟ وماذا تريدون مواصفات أكثر من ذلك؟، وذلك احتراما لبيان اللجنة الخماسية التي كلفته هذه المهمة، وفي نفس الوقت الاستماع إلى آراء النواب.

– نقطة أخيرة غفل عنها الموفد الفرنسي الذي يستعد للمجيء إلى لبنان وهو أن يسأل النواب: من يرشحون للرئاسة من الشخصيات التي تتوافر لديهم المواصفات المطلوبة؟ وأن يطلب من كل فريق تسمية عدة مرشحين، وليس مرشحا واحدا، يصار بعدها لاختيار من حصل على اكبر عدد من الترشيحات إسمين أو ثلاثة أسماء بعدها يدعو رئيس المجلس لجلسة لانتخاب الرئيس وتكون الجلسات متواصلة للوصول لانتخاب رئيس للجمهورية بأكثرية الثلثين أو النصف زائد واحد.

والقول بأنه ليس لفرنسا مرشح معيّن وكذلك بالنسبة للجنة الخماسية، لا يبرر عدم طرح مثل هذا السؤال على النواب، فللنواب وللكتل مرشحيهم. ومعرفة أسماء الأشخاص الذين يمكن أن يحملوا لقب فخامة الرئيس أمر ضروري لأي وسيط يسعى لحل موضوع الرئاسة، فالوسيط لم يأتِ ليستمع لمشاريع أو برامج أو مواصفات، ثم يختار هو، أي الوسيط، الأسم المناسب، بل على العكس دور الوسيط هو معرفة أي أسم يمكن التوافق عليه بين النواب أو يمكن أن يؤمّن حصوله على الأغلبية الضرورية للفوز، وعدم طرح السؤال عن الأسماء يشكّل نقصا جوهريا في مساعيه الرامية لحل أزمة بهذا القدر من الأهمية. وباعتقادي فإنّ الأمر متعمّد حتى لا يحرج حزب الله، الذي لن يسمي إلّا مرشحا واحدا.

ردود الأفعال على رسالة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لم تكن بشكل عام متوازنة، فقد فوجئ الجميع بها، وتفاوتت بين من يريد أن يدرسها لتحضير الرد عليها، وهو موقف التيار الوطني الحر، أمّا نواب المعارضة لم يخفوا استغرابهم لبيان لودريان فقرروا إعداد رد موحّد صدر ببيان، تضمن رؤية مشتركة لكل الوضع اللبناني وليس الاستحقاق الرئاسي فقط وما أشار إليه البيان:

– «بات لزاماً على قوى المعارضة كافة التحرّي الجاد عن سبلِ تحقيق سيادة الدستور والقانون وصون الحريات على كل الاراضي اللبنانية، وحصر السلاح بيد الدولة بقواها العسكرية الشرعية، وعن طرق الوصول الى سياسة خارجية تعتمد الحياد حماية للبنان، وإيجاد سبل لإنقاذ القضاء والإدارة والاقتصاد والوضع المالي وإصلاحها».

– «أصبح جليّا، عدم جدوى أي صيغةِ تحاورٍ مع حزب الله وحلفائه».

– «ان شكل التفاوض الوحيد المقبول، وضمن مهلة زمنية محدودة، هو الذي يجريه رئيس الجمهورية المقبل، بُعيد انتخابه».

هذا البيان يدل بوضوح على حجم التباعد في المواقف بينهم وبين الثنائي الشيعي وحزب الله تحديدا.

الرئيس نبيه بري، وكما هو متوقع، يرفض الرد على رسالة لودريان وحزب الله لم يصدر أي رد حتى الآن على الرسالة الفرنسية.

المرشح الرئاسي المدعوم من فرنسا الوزير السابق سليمان فرنجية رحّب بما تطلبه فرنسا من النواب.

لقد وصلت الردود أو بعضها لمسامع الموفد الفرنسي، حيث من المفترض أن تخبره السفارة الفرنسية بها، وقبل الأول من أيلول، فهل أعدّ الموفد الفرنسي العدة للمواجهة؟.

وهل تسرّع السيد لودريان إعلان فشل مهمته، والتي وصفتها صحيفة (LE Monde) الفرنسية بالمستحيلة.