وسطَ تضارب المعلومات حول زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، توحي «الغضبة» القواتية والكتائبية كأنّ الحزبين متوجسّان من أمر ما، قد تكون له علاقة بتأييد الرياض لفكرة الحوار. فقد تجاوزت مواقفهما الدعوات المعتادة إلى ضرورة انتخاب رئيس والسجال حول فكرة الحوار، لتصل إلى رفض أيّ حلول يجري طرحها. وهما لا يبدوان رافضين للحوار فحسب، بل أيضاً لعقد جلسة انتخاب، وربما لانتخاب رئيس من أساسه، انطلاقاً من اقتناع بأنّ اللحظة الراهنة قد تكون مؤاتية لوضع صيغة جديدة للنظام.
صحيح أنّ أيّاً من الحزبين لم يتحدث علناً عن أمر كهذا، لكن سلوكهما يشي به، بدءاً من لغة «الانفصال» و«الطلاق» المترافقة مع إيغال في الاستنفار المناطقي والطائفي، وليس انتهاءً بمسارعتهما إلى قطع الطريق على أيّ مبادرة. ففيما كانا سابقاً يؤكّدان ضرورة الذهاب فوراً الى جلسات انتخاب في مجلس النواب، كانا أول من رفض دعوة رئيس المجلس نبيه بري الى الحوار، رغم «ضمانة الجلسات المفتوحة». ولا يخفي الحزبان، وخصوصاً الكتائب، الأعلى صوتاً في هذه المرحلة، أن المشكلة لم تعد بانتخاب الرئيس، بل في التعايش مع حزب الله باعتباره أساس المشكلة التي لن يحلّها أيّ رئيس.
في هذا السياق، تحدثت مصادر مطّلعة عن «توتر كبير» طغى على لقاء لودريان ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، الذي «أظهر حدّة غير مسبوقة في رفض الحوار»، مبرراً ذلك بأن الطرف الداعي، الرئيس نبيه بري، «هو من أغلق أبواب البرلمان منذ ثلاثة أشهر». أما إن كان ثمّة حوار آخر، فالسؤال هو «من الداعي، وكيف، وأين، ووفقَ أيّ شروط أو ضمانات؟».
وتؤكد هذه الأجواء مصادر كتائبية ترى أنّ «المشكلة أكبر من الفراغ الرئاسي أو انتخاب رئيس، وهي في وجود حزب الله وسيطرته التي سنواجهها حتى النهاية ضمن الأطر السلمية». وتشدد المصادر على أن «حزب الكتائب لا يرفض الحوار فقط، بل أيضاً لا يجد نفسه مضطراً الى حضور جلسات الانتخاب وتأمين النصاب للفريق الذي يشعر بأن الظروف مؤاتية لانتخاب مرشحه، ونحن سنتعامل وفق القاعدة نفسها التي يتعامل بها الطرف الآخر»، فـ«الاستحقاق الدستوري له مواعيده، وليس حسب الطلب. ونحن كنا مع جلسات مفتوحة عندما كان يجب أن تحصل».
قواتياً، تشير مصادر قريبة من معراب الى أنّ «الموفد الفرنسي لم يطرح مسألة الحوار مع سمير جعجع، بل تحدث عن ضرورة التوصل الى مخارج وأفكار جديدة لحلّ الأزمة، من دون أن ينعى المبادرة الفرنسية. صحيح أنه لم يقل نعم لسليمان فرنجية، لكنه أيضاً لم يقل لا، بل كان يؤكد أن المشكلة ليست في الأشخاص وإنما في آلية انتخابهم. فهناك من يريد الحوار ثم جلسات الانتخاب، وهناك من يريد الجلسات، وهناك من بات يرفض كل شيء، وبالتالي علينا الاتفاق على الآليّة أولاً». وتقول المصادر إن «القوات لن تشارك في أيّ حوار. ليدعُ بري إليه ويذهب من يذهب. نحن سنحضر جلسات… لكن بشرط واحد هو أن تكون جلسة انتخاب واحدة بدورات متتالية».
هذا الشرط وضعته مصادر مطّلعة في إطار «المحاولات التعطيلية لأيّ مبادرة»، مؤكدة أن «القوات ترفض أكثر من أي طرف آخر انتخاب رئيس أيّاً كان اسمه أو مهما تكن مواصفاته». وربطت تصعيد معراب قبل زيارة لودريان وبعدها بالموقف السعودي «الذي كان مفاجئاً بالنسبة إليها، وهو تأييد الحوار، الأمر الذي لمست منه القوات جوّاً غير مريح»!