IMLebanon

المهمّة لم تنتهِ بعد… من مدّد للودريان؟

 

 

تعدّدت القراءات التي تناولت زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت، وإن اتجهّت الى السلبية بمعظمها، فإنّ لذلك ما يبرّره. فقد أنهى الرجل مهمّته من دون ان يتمكن من تقديم أي اقتراح عملي كان ينتظره اللبنانيون. وعليه لم يكن صعباً إحصاء «الزحطات» التي ارتُكبت وتسبّبت بمجموعة من الصدمات المتتالية، نتيجة بعض التسريبات التي واكبت لقاءاته الأولى. وهو ما ادّى الى طرح مجموعة من الأسئلة عن احتمال انتهاء مهمّته او انّ هناك من قاد إلى تمديدها؟

 

لم يكن صعباً على أي من المراقبين الحكم بعدالة وإنصاف على نتائج الزيارة الثالثة التي قام بها لودريان إلى بيروت، توصّلاً الى تصور كامل يؤدي الى تقييم النتائج الباهتة التي تمّ التوصل إليها. فقد التزم الرجل وحده بالصمت حول ما يحمله وما يمكن ان ينتهي إليه، وفق الاستراتيجية التي استخدمها توصلاً الى تحقيق ما أراده منها. ولكن ما جرى من تسريبات تزامنت وبداية جولته، تركت آثاراً سلبية على المهمّة قبل ان تقلع، وخصوصاً انّ بعضها اعتُبر في مرتبة «الزحطات». فهو من أصحاب النوايا الطيبة وله رغبة جامحة بتحقيق أي إنجاز يُسجّل له ولرئيسه إيمانويل ماكرون، الذي كلّف نفسه قبل ان يكلّفه الآخرون، بالقيام بشيء ما من أجل لبنان منذ ثلاث سنوات وايام قليلة، ولم يفلح في تحقيق اي منها، على الرغم مما بذله من جهود مضنية، عندما سخّر إدارته السياسية والديبلوماسية للقيام بمهام حساسة ودقيقة، في منطقة تقلّبت فيها موازين القوى قياساً على حجم التطورات الكبيرة التي شهدتها والتي لم تستقر بعد على برّ هادئ.

 

على هذه الخلفيات، توسّعت المراجع السياسية والديبلوماسية في قراءتها للزيارة وما رافقها وما انتهت اليه، على الرغم من عدم توفّر كامل المعلومات وخصوصاً تلك المتعلقة بتفاصيل المحادثات التي شهدتها لقاءات مهمّة عقدها، وبقي ما دار فيها غامضاً في جزء كبير منه حتى كتابة هذه السطور. وهو ما عزّز الفرز الذي كان قائماً على الساحة اللبنانية بين الموالين والمعارضين لمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ودعوته إلى «حوار الايام السبعة»، كما المتحفظين، بانتظار مزيد من التفاصيل التي يمكن ان يضمنها في الدعوة الرسمية المنتظرة متى وجّهها، وسط تعدّد الاقتراحات التي تمّ التداول بشأنها قبل وإبّان زيارة لودريان وما بعدها.

 

 

فليس سرًا انّ المعارضين للدعوة كانوا أكثر صراحة من الذين وافقوا او وضعوا مجموعة من الشروط التي يمكن ان تقلّل من اهمية هذه المشاركة. فقد سبق لهؤلاء ان سجّلوا ملاحظات عدة حول مجموعة أفكار تمّ التداول بشأنها، وهي تتصل بشكل ومضمون الحوار الموسّع ومن يتولّى رئاسة جلساته وإدارتها، إن بقي صاحب الدعوة على موقفه المتردّد على رئاسة أي طاولة طالما انّه تحوّل «طرفاً» بترشيحه الوزير السابق سليمان فرنجية، ولم يعد حيادياً. وما زاد من نسبة القلق، انّ الرهان على ما يمكن ان يقوم به لودريان لجهة قيادته مثل هذا الحوار قد سقط، وجاءت جولته الثالثة لتعطي نموذجاً لما يمكن ان يقوم به بالقدرات المتوفرة داخلياً وخارجياً. وما زاد في الطين بلّة، إن صحّت المعلومات التي قالت بأنّه كان ينوي دعوة رؤساء الكتل النيابية الى عشاء في نهاية زيارته، ولم تنل الفكرة موافقة اكثرية المعنيين وقد صرف النظر عنها.

 

 

وتأسيساً على ما تقدّم، فقد ادّى افتقاد لودريان لأي خطوة عملية يمكن القيام بها، إلى تراجع الآمال التي عُقدت على الزيارة، على الرغم من المفاجأة التي أحدثها اللقاء الموسّع الذي نُظّم في ضيافة السفير السعودي وليد البخاري، والذي ضمّ لودريان إلى المفتي عبد اللطيف دريان والنواب السنّة، وما انتهى إليه من مغازٍ تحاكي التنسيق السعودي – الفرنسي وحجمه ومداه. ولكن تأكيده بأنّه باقٍ في موقعه حتى وإن تسلّم مهامه الجديدة في «الهيئة الفرنسية العليا لتطوير مدينة العلا السعودية»، أحيا الأمل بإمكان التقدّم في أي لحظة لاحقة. فهو باقٍ في مهمّته، وبدلاً من ان تنتقل المهمّة الى موفد آخر، والذي سيكون عليه ان يطلب المزيد من الوقت لاستيعاب الموقف وليصبح ملماً بكامل التفاصيل التي عاينها لودريان شخصياً، قبل ان يُقدم على أي خطوة محتملة.

 

 

وفي هذا الإطار، فقد ادّى كشف لودريان المبكر عن الاجتماعات المقرّرة على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي ستنطلق قريباً في أروقة الامم المتحدة، الى التشكيك المبكر بنتائج زيارته الحالية، طالما انّه سيكون عليه مراجعة زملائه ممثلي الدول الخمس في لقاء باريس، في الاجتماع المُنتظر الثلثاء المقبل في نيويورك، توصلاً الى تحديد الخطوات المقبلة. وهو ما تكرّس لاحقاً عندما تبيّن انّ هذا التشكيك بنجاح جولته كان في محله، بعدما قيل في نهايتها بأنّه سيعود الى بيروت نهاية ايلول الجاري من اجل عقد «لقاء تشاوري» يرأسه في قصر الصنوبر، لتقويم نتائج جولته الحالية وحصيلة مشاورات نيويورك، بحيث تكتمل الصورة أمامه من جوانبها الداخلية والخارجية. ويمكنه ان يُطلق خطوات عملية قابلة للتطبيق من دون الحسم من اليوم، إن كان سيتدرّج في الحديث عن لائحة المرشحين الجدد من خارج ما هو متداول به من أسماء.

 

وإن صحّت هذه التسريبات التي لم يتبنّاها احد بعد، فإنّه سيكون من المهمّ معرفة ما سيُقدم عليه بري في الأيام القليلة المقبلة. وخصوصا انّ التساؤلات قد تناولت إن كانت لديه النية بتوجيه الدعوة الى الطاولة المنتظرة ضمن هذه المهلة القصيرة الفاصلة عن عودة لودريان، والتي لا تتعدّى الأسبوعين. وإن أرجأ دعوته مرة أخرى الى ما بعد هذه العودة، قد تتغير أمور كثيرة. فالتناغم بينهما ظهر في جانب منه على أنّه قائم، ولا ينقص سوى تبيان حجمه، والمدى الذي بلغه. فإن كان مجرد تنسيق ثنائي بينهما شيء، وإن كان يحظى برعاية اطراف الخماسية الخاصة بلبنان شيء آخر .

 

 

وختاماً، فإنّ الحكمة الديبلوماسية والسياسية تستدعي التروّي في إصدار اي حكم جازم بهذا الشأن، قبل ان تعقد الخماسية لقاءها المقبل في نيويورك وانتظار ما سيعود به لودريان. وعندها تصح النظرية التي قالت انّ مهمّة لودريان لم تنتهِ بعد. وإنّ الحديث عن موفد بديل منه غير دقيق. ليُطرح السؤال الذي لا جواب عنه من اليوم، ومفاده، من مدّد مهمّة لودريان؟ ولأية غاية؟ وما هو مصير الحديث عن مبادرات أخرى قطرية كانت أم سعودية؟