اختلفت الآراء في نتيجة الجولة الثالثة من مَهَمَّة جان – إيف لودريان الذي غادرنا بوعدٍ قاطع بأنه سيعود، قريباً، في جولة رابعة ربما تكون الأخيرة، قبل أن ينتقل الى المملكة العربية السعودية ليشغل المهمة الجديدة التي كلفه إياها الرئيس إيمانويل ماكرون. فبين مَن نعى الدور الفرنسي برمته ومَن اعتبره في آخر مراحله، لا يمكن إنكار تعثر الرجل الذي زعم أحد الذين التقاهم أنه قال له ما ترجمته حرفياً: «يا عزيزي أنتم حال استثنائية بين الشعوب، لديكم قدرة غير مسبوقة على إيذاء أنفسكم ثم اعتبار ما ارتكبتم انتصاراً تعتزّون به، وبالتالي إن تصرفاتكم يشيب لها شَعر الرؤوس»، ثم تحسس صلعته بيده ليمضي قائلاً : «الحمد لله أنه لم يعد عندي شَعر»…
إلّا أن ما حدث، في نيويورك، بعد مغادرة لو دريان بأيّام معدودة، وقبل الجولة الرابعة الموعودة، كشف أن الرجل لم يكن يحمل أي تفويض من «الخماسية»، كما زعمت التقارير التي استبقت جولته الأخيرة ورافقته خلالها أيضاً.
ولقد عُقد اجتماع «الخماسية»، هناك، لينتهي بخيبة أمل مُرّةٍ للذين راهنوا كثيراً أو قليلاً على ذاك اللقاء: خيبة بسبب المستوى الذي حضره ممثلو واشنطن والرياض والدوحة والقاهرة وباريس، ليس انتقاصاً من قَدْرِ المشاركين، إنما لأن المنتظَر كان حضور وزراء الخارجية الذين يرافقون رؤساءَهم في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة. وأيضاً لان نصف الساعة (فقط ثلاثون دقيقة) لدليلٌ قاطع على أن المجتمعين ليسوا أصحاب قرار، وهم ليسوا كذلك بالفعل، وبالتالي ثبت أنه لم يكن لديهم أي عنصر مستَجَد يتداولونه، ولأن غير طرف بينهم سرّب أخباراً عن الخلافات الناشبة بين غير واحدة من العواصم الخمس. وعلى حد قول أحدهم: «لو بدّا تشتّي في نيويورك كانت غيّمت في بيروت»، وأضاف يقول مع شيءٍ من المبالغة: نصف الساعة لا يكفي للإطلاع على أسماء المرشَّحين للرئاسة في لبنان…
أمام هذه النكسات المخيّمة فوق الاستحقاق الرئاسي الأميركي هبّت نسمة رقيقة عبر موقف الجارة، جزيرة قبرص، التي حذرت أوروبا والعالم من تفاقم أزمة النزوح السوري في لبنان، وكلام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد عن مخاطر الوضع في لبنان…
وأما أهل السياسة عندنا فهمومهم في مكان آخر، وليس أسوأ منهم سوى هذا الشعب الخامل المتخاذل، المتنازل عن أدنى حقوقه في الحياة الكريمة.