ليس جديداً الكلام على الرئيس التوافقي، إلا أنه بلغ ذروته، في هذه الأيام، بعدما أقرّ «طرفا المواجهة» بالعجز عن إيصال كل منهما المرشح الذي يدعمه في تصريحات ومواقف ومناسبات عديدة، أقلّه لأن «التوازن السلبي» في تركيبة مجلس النواب لا يمكّن أياً من الطرفين من أن يتقدم خطواتٍ ملموسةً في دفع مرشحه الى الأمام. ولعل هذه هي الخلاصة التي طلع بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لودريان في محصّلة الفصل الثالث من مهمته خلال زيارته لبنان قبل أيام. ولقد نسب إليه جميع الذين التقاهم، باستثناء الثنائي الشيعي، أنه بات ضرورياً البحث عن المرشح الثالث التوافقي، وهذا لا يتم إلا بالحوار في ما بين بضع كتل أو حتى على الصعيد الثنائي.
اللافت في هذه النقطة المفصلية أن بعض من التقاهم موفَد الرئيس إيمانويل ماكرون نسب إليه أن زعيم تيار المردة لم يعد وارداً في «الأجندا» الفرنسية. إلا أن اللافت بالأكثر هو عدم صدور أي تعقيب من الجانب الفرنسي عموماً ومن لودريان شخصياً على ما جرى تداوله على نطاق واسع في هذا الصدد، فهو اعتصم بحبل الصمت من دون أن ينفي أو يؤكد… وهذا ما ترك انطباعاً بأن «الصمت هو علامة الرضى».
وترى أوساط سياسية أنه أيّاً كانت الحال، فلا بد من انتظار موقف حزب الله الذي يدرك أن الظرف، اليوم، مغاير تماماً عمّا كان عليه في العام 2016، والوقائع كلها مختلفة إن بالنسبة الى المرشح المدعوم من الحزب آنذاك، ومرشح الثنائي اليوم. وتوضح هذه الأوساط مضيفةً: لقد تكون أبرز نقطة مغايرة هي الحراك المطلوب من المرشح ذاته. إذ في مرحلة ما قبل انتخاب الرئيس ميشال عون توصّل الجنرال الى عقد اتفاقين بالِغَي الأهمية وفّرا له الأكثرية المطلوبة (النصاب القانوني) لعقد جلسة الانتخاب أولهما اتفاق معراب مع الدكتور سمير جعجع، واتفاق بيت الوسط مع الرئيس سعد الحريري، علماً أن الاتفاق الأوّل مهّد الطريق أمام الاتفاق الثاني، إضافة الى كتلة الرابية النيابية الوازنة. وهذان الاتفاقان لم يأتِ بهما حزب الله الذي لم ينجح في اقناع الرئيس نبيه بري وكتلته بتأييد ترشيح عون، والعكس صحيح. وفي مفهوم الأوساط إيّاها أنه كان على الوزير سليمان فرنجية أن يدعم موقف الثنائي الشيعي بالتوصل الى إبرام بعض الاتفاقات، وهذا لم يحصل.
وفي تقديرنا الشخصي أن مأزق الاستحقاق الرئاسي لا يزال بعيداً عن الحل، وأن فرنسا سجّلت حداً من التراجع في موقفها ولكنها لن تتخلى عن دعم فرنجية اذا لاح لها بصيص أمل لمصلحته في النهاية. ونرى، كذلك، أن الثنائي الشيعي لن يتخلّى عن تأييد مرشحه ما دام الزعيم الزغرتاوي يصرّ على عدم مغادرة حلبة الصراع الرئاسي، بالرغم من تكرار قياديين ومسؤولين في الثنائي الشيعي قولهم «إننا منفتحون على الحلول».