Site icon IMLebanon

فرنسا أُصيبت بنكسة في لبنان… ولودريان قد يُنهي مُهمّته دورها تراجع منذ الأربعينات… وحاولت استعادته في “سان كلو” 

 

 

هل تخسر فرنسا دورها في لبنان الذي انشأته منذ اكثر من قرن، والتي تفقد نفوذها في غرب افريقيا وساحلها، فخرجت من مالي وبوركينا فاسو والنيجر والغابون، حيث اتجهت هذه الدول نحو روسيا، التي رُفع علمها من قبل السلطات الجديدة فيها؟

 

الغياب الفرنسي عن لبنان السياسي بدأ منذ العام 1943، عندما سقط رئيس حزب “الكتلة الوطنية” اميل اده في انتخابات رئاسة الجمهورية، امام مرشح “الكتلة الدستورية” بشارة الخوري الذي كان حليفاً لبريطانيا، التي دافعت عنه وعن شخصيات سياسية لبنانية غيره، وجرى اعتقالهم في تشرين الثاني من عام 193 من قبل السلطات الفرنسية، واعتبر تحريرهم من قلعة راشيا هو تاريخ استقلال لبنان في 22 تشرين الثاني 1943.

 

منذ ذلك التاريخ، تراجع النفوذ الفرنسي السياسي لصالح البريطاني، من خلال مندوب المملكة المتحدة الجنرال سبيرز، ثم حضر الاميركيون عبر مشروع رئيسهم دواين ايزينهاور، الذي اقام “حلف بغداد” الذي ضم ايران في زمن حكم الشاه، وتركيا اضافة الى العراق، فالتحق فيه لبنان بعهد الرئيس كميل شمعون، وسبّب انقساماً سياسياً لبنانياً، اذ كان قسم من اللبنانيين لا سيما السُنة منهم، مؤيدين للرئيس المصري جمال عبد الناصر في الوحدة العربية ومواجهته للهيمنة العربية.

 

فالتراجع الفرنسي عن التأثير في لبنان يعود الى سنوات بعيدة، وان كانت باريس تسعى من وقت الى آخر، لتأمين دوام سياسي في بلد هو من الدول الفرنكوفونية، التي تُعتبر اللغة الفرنسية الثانية بعد العربية في نظامه التربوي، والتي بدأ انحسارها لصالح اللغة الانكليزية التي ازدهرت مع انشاء الجامعة الاميركية في بيروت 1868 (الكلية السورية الانجيلية)، وحاولت فرنسا في عهد الرئيس الراحل شارل ديول تعزيز علاقاتها مع لبنان، الذي وقف الرئيس الفرنسي الى جانبه ضد الاعتداءات “الاسرائيلية” عليه، ودان تفجير 13 طائرة تابعة “لطيران الشرق الاوسط” في المطار نهاية كانون الاول 1968، لكن موقفه اسقطته تظاهرات طلابية انطلقت في ذلك العام.

 

من هنا، وانطلاقا من عرض للدور الفرنسي في لبنان، الذي تعمل “الاليزيه” على احيائه مع الرئيس مانويل ماكرون انطلاقا من مصالح بلاده، بعد ان اصبح لبنان بلداً نفطياً، وفق قراءة ديبلوماسية للعودة الفرنسية الى بيروت، منذ تفجير مرفئها في 4 آب 2020، فجاء ماكرون وعرض ترميم النظام السياسي باصلاحات عليه، وهي محاولة سبق لفرنسا ان عقدت لقاء في “سان كلو” في صيف عام 2007 لقوى سياسية وحزبية فاعلة في لبنان، للبحث في صياغة جديدة لنظام، حاول اتفاق الطائف رسم خارطة طريق اصلاحية له، لكن لم يجر تطبيق لبنوده، فرأت فرنسا ان الفرصة متاحة للعب دور سياسي في لبنان، فنشطت في الدفع نحو حوار بين اللبنانيين، واعادت اتصالاتها مع سوريا عبر قطر منذ العام 2007 ، التي وقفت الى جانب الرئيس بشار الاسد في وقت كانت السعودية تناصبه العداء، فكان مؤتمر الدوحة في ايار 2008 الذي انتج انتخاباً لرئيس جمهورية وادخال الثلث المعطل في تشكيل الحكومة، فكان الثنائي الفرنسي ـ القطري اللاعبين الاساسيين في لبنان، الذي فشل المشروع الاميركي فيه من ضمن “الشرق الاوسط الكبير”.

 

وسعت فرنسا قبل شغور منصب رئيس الجمهورية وبعده الى ان تكون صاحبة القرار، وساعدها انفتاحها على ايران وعدم القطيعة مع حزب الله، وقد امّنت لها طهران صفقة في العراق، وفق مصدر سياسي متابع للدور الفرنسي، الذي لم يرق لاميركا ان تلعب فرنسا دور الاستقلالية، بل تريدها من ضمن سياستها كما هي بريطانيا، حيث تتعاطى الادارات الاميركية المتعاقبة سواء الديموقراطية او الجمهورية، من ان اوروبا هي اداة اميركية، وان القارة العجوز لم تعد تقرر. لكن واشنطن فوجئت برفض اوروبي، لا سيما فرنسي والماني للحرب على العراق، والتي لا موجب ان تلجأ اليها ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش الابن، فلم توافق على الحرب واسقاط النظام العربي برئاسة صدام حسين، فكانت النتيجة ان ايران بات لها النفوذ فيه، وعمت الفوضى العراق الذي تم تركيب نظام فدرالي له، ترك المجموعات الطائفية والمذهبية والعرقية بمواجهة بعضها البعض.

 

والمبادرة الفرنسية التي طرحتها فرنسا للبنان، بدعم ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لم تسلك طريقها بعد، لا بل وُضعت العراقيل بوجهها، لان فرنجية سماه الرئيس نبيه بري ودعمه حزب الله، وحاولت باريس تسويق معادلة تقوم على فرنجية لرئاسة الجمهورية ونواف سلام لرئاسة الحكومة، وان الاخير ليس عليه “فيتو” اميركي او سعودي، وليس مرفوضاً من قبل “الفريق السياسي”، لكن هذه النظرية لم تلق التأييد وتراجع التداول بها، وفق ما تؤكد مصادر نيابية واكبت زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، الذي عاد الى لبنان في زيارته الثالثة له، ولم يستطع إحياءها، بل وقف وراء دعوة الرئيس نبيه بري لحوار وانتخاب رئيس جمهورية في جلسات متتالية.

 

وتعتبر مهمة لودريان بحكم المنتهية، وقد يكون الموفد الفرنسي الاخير، بعد ان اوصدت “اللجنة الخماسية” الباب بوجهها، حيث جاء اجتماع ممثلين عن الدول التي تتشكل منها اللجنة ل “رفع عتب”، وهو الثالث الذي لم يخرج منه اعضاؤها بموقف موحد، بل ما زالت الآراء متباعدة بينهم، لا بل لا يوجد تفاهم حول المواصفات لرئيس الجمهورية ولا اسماء مرشحين، ولم يصدر بيان عن الاجتماع الثالث الذي دام نصف ساعة، وغادره المندوب السعودي بعد ربع ساعة، ولم يقدم لودريان اسباباً موجبة لدعم تحركه، حيث اصيبت فرنسا بنكسة، والتي كانت تأمل ان يعود لها دور سياسي في لبنان تعزز فيه مصالحها الاقتصادية، التي تبدأ بدخول شركة “توتال” التنقيب عن النفط في المياه الاقليمية، والدخول في مشاريع استثمارية.

 

وفرنسا التي تخسر نفوذها في افريقيا ودول اخرى، فهل يكون لبنان من هذه الدول، اقله سياسيا؟