قبل ان يهلَّ علينا هلالُه من جديد، مهّد جان – ايف لودريان لعودته الى بيروت باعتراف مثير ليتبين من أقواله، بوضوح، ان الدور الفرنسي دخل في متاهة ليس يبدو لها من افق أو مخرج. فلقد قال بصريح العبارة: «لا ندري لمَن نتوجه في لبنان أو مع مَن نتكلّم». وهذا دليل قاطع على أن مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ترنّحت من زمن، حتى قبل الحرب على غزة، وها هو قصر الاليزيه يسعى الى اعادة بث الروح فيها… الّا ان هذه المهمة تبدو شبه مستحيلة في ضوء تراكم الفشل سابقاً والمستجَدّات الناجمة عن الحرب الوحشية على غزة، لاسيما الموقف الفرنسي، في مستهل الحرب، المغالي في دعم العدو الاسرائيلي، الذي شطح اليه ماكرون ببهلوانية غير مسبوقة من الرؤساء الفرنسيين، لدرجة انه بلغت به المغالاة في تأييد العدوان الوحشي على غزة الى حدّ المزايدة على الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني، فكان بين اوائل زعماء الدول الذين زاروا بنيامين نتانياهو واطلاق تصريحات تدعم الابادة، وان حاول التخفيف من غلوائه لاحقا.
وعودة لودريان تطرح جدّياً مسار الحوار الذي سيُدار بينه وبين حزب الله بعد مرحلة توافق الاليزيه وحارة حريك، سابقاً، على دعم ترشيح زعيم تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية … ولكن فرنسا عادت فأعلنت، بلسان موفدها نفسه، انها تبحث عن «المرشح الثالث»، بينما يتمسك حزب الله بفرنجية بقوة.
وثمة نقطة بارزة لا يمكن أن يتغاضى عنها حزب الله وهي الحملة العنيفة التي شنّها ماكرون على ايران في وقتٍ كان جو بايدن ذاته، ولا يزال، يقول ان ليس لواشنطن ما يؤكد علاقة طهران بعملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الماضي.
في أي حال، في تقديرنا ان حراك فرنسا يبقى أفضل من نأيها بنفسها عن لبنان، لاسيما في هذه المرحلة فائقة الدقة والخطورة التي اشار اليها لودريان محمّلاً، في الوقت ذاته «المسؤولين» ما قد تؤول اليه التطورات بسبب لامبالاتهم التي قال انه لا يفهمها.