لا يُحسد جان – إيف لودريان على هذا الفصل الجديد في مسار مهمته في لبنان وزياراته المتعددة إليه. وإذا كان صحيحاً أن ما بعد الحرب على غزة هو غير ما كان قبلها، فهو أكثر صحةً بالنسبة الى الدور الفرنسي في وطننا، بعدما غالى الرئيس ايمانويل ماكرون في التزامه المشروع الصهيوني وتماهيه معه، مزايداً حتى على تجو بايدن، فلم يُسِء الى غزة وأهلها الصامدين الصابرين وحسب، إنما أيضاً الى سمعة فرنسا ودورها كوسيط يمكن أن يكون نزيهاً، والى سمعتها التي كانت لا تزال تحمل بصمات رؤسائها الكبار في الزمن الحديث أمثال شارل ديغول وفرانسوا ميتران وجاك شيراك، كما كتبنا هنا، غير مرةٍ إثر اندفاعة ماكرون في الأيام الأولى من الحرب الوحشية على غزة.
لو دريان سيدخل الى المحادثات مع القيادات ورؤساء الكتل النيابية وبعض الشخصيات اللبنانية وقد سبقته تداعيات موقف رئيس جمهوريته الذي يصح فيه القولان: من جهة أنه «حرق المراكب كلها»، ومن جهة ثانية أنه «لم يترك للصلح مطرحاً»…
أضف أن ليس في جعبته جديدٌ يطرحه سوى استئناف كلامه السابق المعروف عن «الطريق الثالث»، اي لا سليمان فرنجية ولا جهاد أزعور… وهذا لا يقدّم ولا يؤخر بشيء، لاعتبارين أولهما أنه لا يحمل مقترحات ذات شأن، والثاني أن الصدقية الفرنسية تعرّضت لانتكاسة بعد مواقف ماكرون التي أقل ما توصف به أنها مخزية.
في تقديرنا أن على الجانب اللبناني (بالرغم من الاختلافات الجذرية بين أطرافه) أن ينقل مهمة لو دريان من مكان إلى آخر، بإثارة أمرين معه، هما موضع إجماع في لبنان، ويطلب منه أن يوليهما رئيسُ فرنسا اهتماماً خاصّاً إذا كان يريد مصلحة لبنان كما يدّعي قصر الإليزيه: الأمر الأول يتعلق بحرب غزة. فليت إيمانويل ماكرون يسعى جادّاً لدى أصدقائه نتانياهو والقيادات الصهيونية ليس فقط لتمديد الهدنة، بل أيضاً لتحويلها الى وقف إطلاق نار ثابت، ولعدم طلوع نتانياهو الى شجرة لبنان وهو الذي يبحث عن مسلك النزول عن شجرة الحرب على غزة… ولا نكون قد طلبنا منه الكثير بعدما رأيناه يتماهى مع الإسرائيلي.
الأمر الثاني يتعلق بشركة «توتال انرجايز» الفرنسية للطلب منها الرجوع عن مهزلة وقف التنقيب في «البلوك» التاسع تحت ادّعاءات كاذبة…
وما سوى ذلك نأمل أن يٌوفَّق هذا الديبلوماسي الفرنسي الكبير في أن يزيل بعضاً من الإساءة التي ألحقها ماكرون بفرنسا التي ما زلنا نحبها ونريد أن نصدّق أن أخطاء رئيسها لن تستطيع أن تخفف من وهج عاصمة النور باريس.