IMLebanon

هذا ما جَنته فرنسا على نفسها فكان الفشل طبيعياً

 

 

لم يكن سياسيّو لبنان يحتاجون الى ما أعلنه أمس لوكالة «فرانس برس» مصدر دبلوماسي فرنسي بأنّ الموفد الرئاسي جان ايف لودريان «لم يحقق أي خرق يذكر» في الملف الرئاسي لأنّ «كل فريق متشبّث بمواقفه»، ما دفع لودريان الى تحذير المسؤولين الذين التقاهم من أنّ «وجود لبنان السياسي نفسه بخطر».

فالخطر على لبنان قائم أصلاً اولاً من داخله، وثانياً من وقوعه على «فالق إقليمي» متوتر للغاية منذ نشوء الكيان الاسرائيلي.

 

الخطر على وجود لبنان قائم لأن غالبية الذين تولوا شؤونه العامة وادارة الدولة منذ الاستقلال وحتى الامس لم يبنوا دولة باستثناء الرئيس الراحل فؤاد شهاب. فمن الطبيعي ان يهتزّ هذا الكيان الهشّ عند كل منعطف داخلي او اقليمي او دولي كبير وخطير، كما يجري الآن من خلال الحرب التدميرية التهجيرية على غزة، وكما جرى في مؤامرات جنون ما سُمّي «الربيع العربي»، وقبلهما بعد حرب العام 1967 وحرب تشرين 1973 و»اتفاق كامب ديفيد» بعدها، والذي دفع لبنان ثمنه حرباً أهلية استمرت 15 عاماً، وقبل كل ذلك عند حصول وعد بلفور ونشوء الكيان الاسرائيلي وما تلاه من حروب واحتلال لأرض فلسطين وتهجير اهلها الى لبنان ودول عربية اخرى عام 1948.

 

تعلم دول اللجنة الخماسية، ولا سيما فرنسا «الام الحنون للبنان» تاريخ هذا البلد، فقد ساهمت في بناء هذه الدولة الهجينة الهشة بعد «انتداب – احتلال» لبنان في اعقاب الحرب العالمية الاولى وتقسيم المنطقة بمقصّ سايكس بيكو، وبعد منحه حدوده الجغرافية الحالية وفق ما سمّي لبنان الكبير، وبعد منحه الاستقلال. لذلك تعلم فرنسا قبل غيرها ان هذه التركيبة اللبنانية الطائفية التي بُني عليها النظام السياسي والدستور ستؤدي الى مشكلات وانقسامات وحروب سياسية وطائفية، أسّس لها حكم القناصل ايام الاتراك الذين رعى وحمى كل قنصل منهم طائفة لبنانية، و»طوّرته» فرنسا قليلاً بعد الحرب العالمية الثانية ثم بعد الاستقلال.

 

مبرّر هذا الكلام والعرض التاريخي انّ فشل الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان كان متوقعاً بعد زياراته المتعددة الى بيروت لتحقيق خرقٍ ما في الاستحقاق الرئاسي، وهو العالم ايضاً بتاريخ لبنان وما جَنته فرنسا على نفسها بإقامة هذه التركيبة السياسية، والتي تفاقمت اكثر بعد إقرار دستور الطائف الذي كرّس طائفية الرئاسات والتوزيعات والمحاصصات النيابية والحكومية الطائفية – السياسية – المناطقية.

 

وللتذكير، فإنّ بيان سفراء اللجنة الخماسية الذي صدر بعد اجتماعهم في السفارة الاميركية قبل نحو ثلاثة اسابيع، ثم أعادت السفارة الاميركية في بيروت نشره باليوم التالي، كان بمثابة «خريطة طريق» للكتل النيابية لانتخاب رئيس للجمهورية، لكنّ السفراء وقعوا في المحظور بتحديد مهلة نهاية أيار لانتخاب الرئيس، ربما بناء لمعطيات واسباب خافية لديهم تأكد عدم دقّة البناء عليها.

لكن المصادر النيابية اعتبرت وقتها ان البيان كان بمثابة تحذير من أن اللجنة لن تتمكن من المساعدة في تسهيل انتخاب الرئيس ما لم يساعد اللبنانيون أنفسهم، وهي عبارة طالما رددها السفراء، ولا سيما السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو. هذا عدا عن أنّ انتخاب الرئيس مقرون بشرط إجراء الإصلاحات البنيوية في الاقتصاد والإدارة والمالية العامة، وهو أمر يبدو أن مسؤولي القوى السياسية تناسوه، أو لا يرغبون بمقاربته اصلاً.

 

ومنذ صدور بيان سفراء الخماسية، وحتى زيارة لودريان امس الاول، استمر سفراء الخماسية بإعادة الكرة إلى ملعب القوى السياسية اللبنانية، مخالفين بذلك اعتقاد هذه القوى بأنّ انتخاب الرئيس بات بيد دول الخماسية ومرتبطاً بأوضاع المنطقة المتفجرة.

 

لذلك بات من الصعب على فرنسا واللجنة الخماسية مجتمعة ان تجد الحل لأزمة لبنانية أبطالها لبنانيون وضحاياها لبنانيون يدفعون الثمن كل يوم في كل مجالات حياتهم، واذا لم يقتنع اللبنانيون اولاً والدول الشقيقة والصديقة بأن هذا النظام السياسي الحالي لن يولّد سوى الازمات فعبثاً يبني البنّاؤون.